الراكضون لتقزيم حضرموت
أدركت القوى المتنفذة في المركز المقدس في صنعاء بعد غزو 1994م للجنوب أن حضرموت وشبوه يجب أن تحتلان أهمية خاصة في سياسة نظام صنعاء تجاه الجنوب المحتل, ليس لأنهما المحافظتين النفطيتان بل لأهمية تركيبتهما السكانية و موقعهما الاستراتيجي , وقد تحقق لحكام صنعاء شئ من النجاح في هذا السياق, حيث عمل نظام صنعاء بكل خبث ودناءة على تمزيق النسيج الاجتماعي في هاتين المحافظتين واستغل تاريخ ممارسات الحزب الاشتراكي الأسود فيهما لكي ينفذ أهدافه و منها إعادة المجتمع إلى قوانين و أعراف ما قبل الدولة و الإحتكام إلى الأعراف التي لا تعترف بالقوانين وذلك لكي ينفذ الى عمق المجتمع.
و هنا يمكنني القول أنه قد نجح إلى حد كبير في شبوه في تمزيق المجتمع و أعاد اسوأ ما في ثقافة المنطقة للحياة من ثارات و أعراف بالية و لكنه بالمقابل فشل في حضرموت في تحقيق اختراقات كبيرة رغم ظهور بعض النتوءات الشاذة في المجتمع الحضرمي نتيجة تلك السياسة بفضل عمق الثقافة الحضرمية و تسامحها ووسطية نهجها الديني وارتباطاتها الثقافية بشعوب أخرى.
إن عظمة حضرموت تكمن في ثقافتها العابرة للحدود و حضارتها الضاربة في عمق التاريخ التي أحدثت أثرا كبيرا في ثقافة وتاريخ شعوب بحالها ونقلتها من واقع ديني و ثقافي إلى واقع جديد, فهي إذن قبل أن تكون في نظر بعض الصغار مجرد وديان وجبال وصحاري ونفط وشواطئ هي عالم متكامل مرتبط بالآخرين و تأثيرها القوي و المؤثر جاء لأنها خرجت خارج حدود قطعة أرض مساحتها لا تتعدى مائتي ألف كم مربع.
اليوم تستعد حضرموت لعقد مؤتمرها الجامع الذي يجري التحضير له على قدم وساق في ظل متغيرات كبيرة جرت في الإقليم بعد عاصفة الحزم وعلى الساحة العربية وفي ظل تحديات كبيرة و صراعات عنيفة تشهدها المنطقة لذلك لا بد من الارتقاء بالتوجه والخطاب السياسي في هذا المؤتمر إلى مستوى هذه التحديات الكبرى والذي بسببها يعول كثيرون على نجاح هذا المؤتمر في قيادة قطار الجنوب نحو مستقبل جديد.
أثار التحضير لهذا المؤتمر غضب مراكز القوى اليمنية في الشرعية المتواجدة في الرياض وعلى رأسها أحد أعمدة قوى النفوذ علي محسن الاحمر و عمل لكي يقطع الطريق على انعقاد المؤتمر الجامع بدعوة عدد من مشايخ واعيان حضرموت الذين وإن لبى بعضهم الدعوة إلا أنهم لا يمكنهم أن يضعوا مصلحة صنعاء و قواها فوق مصلحة حضرموت وهذا أمر لا يشك فيه احد.
هناك أصوات خافتة تصدر عن صغار يعملون على تقزيم حضرموت وحصرها في حدود ضيقة ولا يريدون لها أن تكون قائدة ورائدة في المنطقة بل يعتقدون أن وجودهم ودعوتهم هذه سيفسح المجال لهم لكي يعودوا ليحكموا متناسين أن تغييرات كبيرة وكبيرة جدا قد حدثت في مجتمع حضرموت خاصة والجنوب عامة لم تعد تسمح لمثل هذه الأصوات بالتأثير على غالبية سكان حضرموت و يعرف كثيرين أن هؤلاء بالفعل الذين يقزمون حضرموت وشعبها بل ويسعون لجعلها تابعة بطريقة أو بأخرى لمراكز القوى الصنعانية, و بالمقابل هناك من يرى ان تكون حضرموت هي القاطرة الرئيسة اليوم في قيادة الجنوب نحو آفاق جديدة وبناء دولة الجنوب الاتحادية التي هي المخرج السليم والآمن لشعب جنوب جزيرة العرب.
*- أكاديمي وباحث سياسي