كُتب على الجنوب أن يكون الحلقة الأضعف في المشهد الرمادي اليمني على الرغم من المآسي المتواترة عليه منذ جائحة الحرب في صيف 1994م، وحتى حرب (جنون البقر) في مارس 2015م، إذ لم يجد عبد الملك الحوثي وميليشياته المدعومة بجيش صالح (الهالك) من ذريعة لإعادة احتلاله سوى وصمه بالداعشي والتكفيري والحاضن لهما!.
دفع الجنوب فواتير بعدد نجوم السماء ورمال الأرض، كي يتلذذ ويتنعم تجار الحروب، وجبابرة الفساد، وعصابات النهب والفيد في (حضيرة) عفاش وزبانيته، ولم يكن الجزاء من جنس العمل، بل واصلوا مسيرة الحرب والقتل، فلم يعد الجنوب عنواناً للانفصال فحسب، بل تجاوزت التهمة مداها: الجنوب بؤرة للإرهاب وحضن دافئ وآمن لتنظيم القاعدة، وهم يدركون جيداً من (القاعدي) الحقيقي ومن صنع تمثاله!.
في غمرة الاستبشار باستقبال النواة الأولى من جيش النخبة في شبوة، لبسط الأمن فيها، وتأمين الطريق الساحلي بشكل كامل بين محافظات حضرموت، شبوة، أبين وعدن ضمن خطة قوات التحالف العربي لتأمين المناطق المحررة وما شهدته عملية الاستلام والتسليم بين المقاومة الجنوبية حامية ميناء بلحاف منذ اندلاع الحرب، وبين تلك النواة، أنبرت وسائل إعلام متعددة لتصف ذلك (البسط) كملهاة مبكية- مضحكة- وتزف البشرى بطرد عناصر تنظيم القاعدة من المنشأة الحيوية، وتسليمها لقوات الشرعية اليمنية، وهي فرية كبرى لا تضاهيها (تمثيليات) مايجري على مختلف الجبهات في الشمال لتحرير مدنه من قبضة الانقلابيين!.
يأتي محلل عسكري، وخبير استراتيجي برتبة لواء (شمالي)، ليؤكد صحة الخبر بشيء من الاستبشار، في حديثه عبر إحدى القنوات الفضائية عن استعادة ميناء بلحاف من يد عناصر تنظيم القاعدة، وهو يعلم يقيناً إنه (كاذب)، وهي فضيحة أخرى في حقه لو لم يعرف المناطق المحررة، والمناطق التي لم تخضع لسيطرة تنظيم القاعدة، ومن هنا تتضح مأساة حكومة الشرعية ﻹعتمادها على (أراجيز) ودمى متحركة فاقدة العقل، تحركها المصالح ونسائم هواء (صالح)! ولم يعلم ذلك (الخرف) أن المقاومة الجنوبية في مناطق ساحل شبوة هي من بسطت يدها على ميناء الغاز المسال، وحافظت عليه من النهب والخراب في ظل تهديدات مستمرة، وإمكانات محدودة، كان يفترض رفع القبعة لها، احتراما وتقديرا، لا أن يسلب حقها، بينما الخبير وشلل سلطوية يتهيون في عواصم الضباب والجمال والأوراق الخضراء، ويقدمون خدمات جليلة (لزعيمهم) الذي علمهم السحر بأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، في سبيل النكاية بالجنوب وأهله، بإفتعال زوابع وهلوسات وتخيلات لم تنتج سينما (هوليود) مشاهد سيريالية مثيلة لها، وفي يقيني أن ذلك الإلتفاف والاحتشاد الموجه ترجمة حقيقية للمثل: "جد اليهود واحد"! وقد قيل من الصعب على القابعين في غرف مكيفة بالهواء أن يشعروا بمعاناة من تلهبهم حرارة شمس الظهيرة، وقيل أيضاً:" من يعرف مرة واحدة بخدعة مخجلة، يفقد رصيده حتى وأن قال الحقيقة"!.