منذ ثورة سبتمبر 1962م بقي اليمن مسجوناً في قفص من الصراعات الدامية، لم تتوقف الحرب بين القوى المتصارعة على سلطة الحكم ونفوذ القبيلة واستدعاء الموروث المذهبي كلما تصادمت تلكم القوى بعضها ببعض، لم يستفد اليمنيون من كثير الفرص التي أتيحت لهم لبناء الدولة المدنية، فشل اليمن بتدخل مصر جمال عبدالناصر في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، ودفعت مصر الثمن باهظاً حتى إنها اضطرت للخروج وتركت المستنقع اليمني تعصف به القوى المتناحرة بين ملكيين وجمهوريين.
المقدمة أعلاه كان لا بد من سردها؛ فالواقع اليوم هو امتداد لتاريخ عميق من التجربة السياسية في بلد لم يستفد من الفرصة الأهم عندما استجابت المملكة العربية السعودية لمناشدة الشرعية السياسية وتدخلت في توقيت حاسم لتنقذ اليمن من التورط في حمام الدم الذي شرب منه العراق وسوريا ولبنان بالتدخلات الإيرانية التي حوّلت شعوب تلك الدول إلى معسكرين متضادين يقتاتون توزيع القتل بينهم بشعارات طائفية مسمومة.
حمل التدخل العسكري للتحالف العربي أبعاداً عميقة أمنية وقومية وإنسانية، وقد لا تحتمل الذهنية اليمنية هذه الأبعاد الثلاثة ومدى ما تمثّله من قيمة في الحاضر والقادم، فالتدخل جاء بعد تهديد حقيقي للأمن القومي العربي، فالتوغل الحوثي إلى عدن والتهديد بالسيطرة على باب المندب الذي يفصل بين القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، فهو يمثِّل عنق زجاجة البحر الأحمر، وممراً أساسياً للتجارة العالمية والنفط، وكان لا بد من قطع الذراع الإيرانية التي قُطعت بالفعل في تحرير مدينة عدن 14 يوليو 2015م.
العملية العسكرية لم تكن البُعد الأوحد، بل إن البُعد الإنساني كان هو محوراً رئيسياً به توقفت «عاصفة الحزم» وعليه قامت «إعادة الأمل» التي راعت احتياجات الشعب اليمني الذي كان يعيش وضعاً معيشياً متردياً نتيجة سياسات المخلوع علي عبدالله صالح على مدى ثلاثة عقود أنتجت الفساد والفقر والجهل، فلذلك كانت الفرصة مواتية أمام اليمنيين ليكونوا صفاً واحداً خلف قيادة التحالف العربي سياسياً وعسكرياً.
أفاعي اليمن خرجت من جحورها وجدت أنها فرصة مواتية يجب انتهازها في حرب تصفية الحسابات بينها، لم يتم مراعاة الموقف السعودي، ولم يتم تقدير التضحيات السعودية الجسيمة، لم تعامل السعودية اليمنيين الهاربين من لظى حرب الأفاعي اليمنية على أنهم لاجئون، عاملتهم مقيمين، منحتهم الحياة بعد أن فروا من الموت، وجد الشعب اليمني وحكومته كل الإمكانيات المسخرة لتساعدهم في استعادة فرصة الحياة لكل اليمن.
كانت العمليات العسكرية تراعي الجوانب الإنسانية، مساعدات السعودية والإمارات وصلت إلى معقل الانقلاب في صعدة، قام التحالف العربي بعملية نوعية في كسر الحصار عن تعز، وصلت هبة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى كل بيت في ساحل حضرموت، جانب عظيم بذلت فيه السعودية والإمارات ما يتجاوز ملياري دولار إطعاماً للجائع الفقير وعلاجاً للمصاب المقطوع السبيل.
سيبقى ما قدّمه التحالف العربي درساً بليغاً في التاريخ، شجاعة الفرسان، وروح النبلاء تتمثَّل في تلك المبادئ والقيم والمواثيق التي يتمثّل بها كل سعودي وإماراتي مدني أو عسكري في حرب كانت وستبقى من علامات التاريخ التي أرادت أن تنقذ الإنسان من ظلم أخيه، كل هذا لا يمكن تعميمه ففي عدن والمُكلّا كانت الصورة مختلفة تحرير الضالع ولحج وعدن وأبين وحضرموت لم يكلف التحالف العربي أرواح أبنائهم الغالية إنما وجدوا أرواح تفديهم وتنتصر للواء سلمان الحزم والأمل.
*- الجزيرة السعودية