ذهبت حماسة ساحة التحرير في خور مكسر وذهبت معها هوجة البيانات التي صدرت بأسمها، وكل بيان يعبر عن وجهة نظر أصحابه حتى وأن نسبوه إلى فعالية الذكرى 53 لثورة 14 أكتوبر 1963، وعاد المشاركون إلى مناطقهم وإلى أعمالهم وإلى طوابيرهم أمام مكاتب البريد بحثا عن فتات راتب لم يبق له التضخم قيمة تلبي ضرورات الحياة (ذهبت سكرة البيانات وجاءت التزامات الواقع).
لبت جموع الشعب الجنوبي نداء فعالية أكتوبر موحدة، كما عهدناها، وتشرذمت النخب في مواقفها كعادتها في كل حدث جنوبي مسكونة بتمجيد ذواتها أو مطبلة لزيد أو عبيد ضاربة بمصير الجنوب ومطالب شعبه عرض الحائط طالما تباين ذلك مع نزقها وطموحها البليد، وهي لا تتورع عن اللجؤ إلى اختراع بيانات منسوبة للشارع الجنوبي والشارع منها براء.
لو أن للبيانات سوق سياسي لما وجدت بعض البيانات مشتريا حتى على ارصفة هذا السوق، وقد يندم احدنا على الثواني التي أمضاها في قرأتها لما تحويه من ضحالة في التفكير أعدت بذهنية (دون كيشوتية)، أن جاز التعبير، بعضها يملي شروطا والبعض الآخر يتعامل بخفة مع وقائع على الأرض لا يمكن انكارها، وهذا السيل السمج من البيانات لا يحمل سوى رسالة سلبية واحدة وهي أن الشارع النخبوي الجنوبي مصاب بداء (عدم قبول الاخر).
لسنا هنا بصدد محاكمة وجهات النظر التي لا يخلو منها مجتمع، بل إن تعدد وجهات النظر تعكس مجتمعا معافى يسمح بالتعددية، ولكننا نتحدث عن الشطط الذي تحمله بعض البيانات ويصيب قضية شعبنا ووطننا في مقتل، أما بتعميق التشرذم النخبوي (الشارع الجنوبي موحد ويعرف ما يريد) أو بإعطاء صورة سلبية للعالم بأن الجنوب سيذهب إلى المجهول بفعل هذا النمط من التفكير الذي حملته البيانات المتناقضة مع بعضها بين أحد يملي شروط وآخر ينكر الآخر الجنوبي وغيرها من المتناقضات.
في هذا السيل من البيانات نرفع القبعات احتراما لبيان محافظ عدن الذي حمل بين سطوره تشخيصا للواقع لا يختلف عليه عاقلان، وبين ما مررنا به وما ينبغي أن نمر به لإنجاز ما ضحى من اجله الشهداء، وأهمية الانتقال من العمل الميداني (جماهيري أو قتالي) إلى غرف السياسة.
واقع الحال أن نخبنا موزعة بين أطراف حالمة تنتظر أن يتم تسليم الجنوب العربي لها (داخل كرتون) وأطراف شطط تتصارع على استلام هذا الكرتون، وأطراف واقعية تدرك أن الجنوب العربي ليس مجرد (صك ملكية) ولكنه وطن وهوية وشعب حي يمتلك إرادة فولاذية، وان للعالم مصالح مرتبطة بالجنوب العربي يجب احترامها، وأننا جزءا من الاقليم (الجزيرة العربية)، بما فيه العربية اليمنية، يضرنا ما يضره ويخدمنا ما يخدمه.
بجملة اخيرة، بيان محافظ عدن هو ما يمكن البناء عليه بوصفة بيان يحمل خارطة طريق.