ضداً على المألوف لا يوجد حامل بل يوجد محمول أو "محمولات" سياسية أصبحت ثقيلة على أكتاف الناس وقلوبهم.. فالمحمول السياسي ليس سوى مكونات تكلست ونفقت وتخطتها التطورات الكبيرة بمعايير الحاضر المتحرك جداً.
الجنوب حتى اللحظة حقق ويحقق إنجازات كبيرة على أرض الواقع نتيجة التضحيات الجسيمة منذ سنوات، إضافة إلى انتصاراته في الدفاع عن أرضه وتحريرها خلال ذروة التداعيات العنيفة لأزمات السلطة والسيطرة التي عصفت بالقوى السياسية اليمنية (الشمالية) والإنسداد النهائي العظيم الذي أحال دولة الوحدة إلى خرابة تاريخية بل وهدَّ أركان ما تبقى من أسس رمزية ومعنوية ل"الجمهورية العربية اليمنية"، جراء تراكمات معقدة كسرت ظهر الزمن وأقعدته بجروحها الغائرة واثقالها المرعبة ووجهته نحو الماضي الرهيب، حتى أصبح من المستحيل تفكيكها دون تغييرات جذرية وحاسمة في ثوابت ظلت تمسك الهواء النقي عن الحقائق الموضوعية الكبرى... إلا أن الجنوب مع ذلك ما يزال، على الصعيد السياسي، يقفز بأقدام مطاطية دون خارطة حقيقية موحدة ولا يمتلك، بعد هذه الاحداث العاصفة، ممثل سياسي حقيقي يخاطبه العالم ويتخاطب معه ويمنع تكرار المآسي المُرة التي تجعل من قضية الجنوب جياد طروادية لتحقيق المآرب ووسيلة سهلة للتكاثر الطفيلي الضَّار والاختراقات الموجعة للإتجار بها في بازارات السياسة والولاءات.
ولكي لا يكون الجنوب مجرد فكرة تمر على الساسة في الداخل أو الخارج ليضعوها في سياقات المقاربات العامة كجزئية في الحالة اليمنية المظلمة.. فقد أصبح لزام عليه بصورة ملحة أن يمسك بأدواته الفاعلة الآن وأن يحسب للدقيقة حساب، لهذا يمكن القول بأن أكثر شيء ثمين في حياة الجنوب الآن هو الوقت.
الخوف أن يكون مصطلح الحامل السياسي في الجنوب مثل علكة استُهلكت وأصبحت دون كيمياء ولا تتحلى بالحس أو بالمذاق، لأن الجنوبيين جربوا شتى المقاربات النظرية لوضع موديل موضوعي للشكل السياسي وتركيباته لكنهم أُحبطوا وتشتت قوام جميل من نخبة ظلت تمسك بالأمل لتحقيق الجامع الجنوبي، حتى أتت اللحظة الأهم والجنوب مايزال منتظر إلى حين ميسرة.
ليس ضروري وربما ليس ممكن أن تكون القوى السياسية الجنوبية لون واحد وشكل واحد ومنطوق واحد، فالواحدية المتجمدة، كقرن الخرُّوب الاسود، لم تعد ممكنة في الواقع وفي المفهوم السياسي الحديث ولم تكن مجدية في سابق الأزمنة، وهناك بدائل متاحة تتمثل في طيف واسع من خيارات الائتلاف والتحالف وحتى التنسيق وهو أضعف الممكنات.
لقد حان الوقت لتجسير الفجوات وأن تنصهر الأطياف المتجانسة وتختصر الأعداد الفردية والزوجية ويقوم على شتاتها رقم موضوعي يعكس جوهر الفكر الجنوبي ومقاربته الرئيسة إزاء استعادة الدولة ومن هذا يبدأ العمل على قيام حامل بشكل ائتلاف أوكتلة، ولا أقول جبهة لانها مصطلح تأكسد وتفتت حديده في مشهديات الأزمنة العربية الغبراء.
سيحس الناس بالتعب الروحي في الجنوب ويشتد عود الخصوم كلما تعافوا من مصائبهم، إذا لم يتم امتلاك زمام المبادرة من قبل النخب السياسية لعمل شي نوعي. لقد قدم الجنوب كل شيء ولم يستبقِ شيئاً واحداً، قدم الصبر المثخن بالفقر والعوز والخوف والشتات ثم قدم الدماء والمعاناة التي لم تعانيها إلا تلك الشعوب الرازحة تحت أبشع صور الاستعمار الخارجي في العصور المظلمة، تحت ذرائع العقائد السياسية الكاذبة، دون أن يحس الاشقاء القريبون والبعيدون بكل ذلك.. كل ذلك ومايزال أهله في كل المجالات على استعداد كبير للتضحيات والصمود بشكل أعظم إذا لمسوا بأن هناك حركة واعية نحو المصير السياسي.
لا وقت لعواصم الشتات، إذهبوا إلى خطوة كبيرة تحسم كل هذا الملل والوضع الغير منضبط سياسياً ونظموا قدراتكم في خط مستقيم يقود هذا الزحف الجماهيري الغير، مسبوق في قواميس الحراك الإنساني، نحو الحرية الكاملة.