التاريخ يشهد لأبناء الجنوب مواقفهم المساندة والثابتة والراسخة والشجاعة، في مؤآزتهم لكل قضية عادلة ولكل هبة شعبية واجهها أشقائهم في الشمال. والذاكرة لا زالت زاخرة بكل معاني البسالات والتضحيات التي قدمها شباب الجنوب في نصرة الثورة السبتمبرية، وهناك الألاف، هبوا لنصرة الثورة ووقفوا وثبتوا في خنادق القتال في حصار السبعين، ولكن ليس لثوار الجنوب من ذكر أو وصف في أدبيات الثورة السبتمبرية، بل وليس لشهداء الجنوب أضرحة تميزهم في الشمال، أو شارع في أزقة صنعاء يحمل إسم شهيد جنوبي.
عند إستقلال الجنوب، كانوا الأشقاء من الشمال لهم الميزة والأولوية في الوظائف وفي المنح الدراسية وفي العلاج وفي الحصول على المساكن والرعاية، وبلغ التعامل أن كان الطالب المبتعث من الشمال، يحصل على دعم مالي أكثر بكثير من الطالب الجنوبي، بل ووصل الشماليون الى سدة الحكم وكانوا هم المتنفذين في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الأشتراكي.
أن صمت إخوتنا الشماليين لمعاناة ومظالم إخوتهم الجنوبيين لقاسٍ ومُريب ، والذي يحز في النفس أن الجنوبيين يستعدون الى حشد مليونية عارمة في يومي 17 و18 من إبريل، للتعبير عن إستحقاقاتهم ونيلهم حقوقهم ،وأنه من المحال دوام هذه الأحوال، إلّا أنه وفي غمرة هذه الإستعدادات لهذه المليونية وزحفها إلى عدن، لم نسمع عن أصوات مُناصرة لهم في الشمال، بل ولم نسمع عن حزب في -صنعاء- يناصر أبناء الجنوب ويعلنها بصراحة، أن الضيم وصل مداه وأن من حق إخوتنا في الجنوب تحقيق ذاتهم.
المخيف والمؤلم أن الشماليين يغفلون في أن إنتصار الجنوب هو نصراً لهم، بل هو يشكل إنتصاراً لكل مغبون وحر في هذا الكون ، وأنها لفرصة سانحة لتفلت الجنوب من قبضة القبيلة وتجار الحروب والناهبين والقتلة، ويقيني أن نجاح الجنوب يمثل نجاحاً للشمال، وفرصةً سانحةً لهم ولنا للعيش والكسب والنماء، بعد أن ضاقت المهاجر وحاصرنا في وطننا الناهبون، أما هالكم وروعكم -مثلنا - أن حشدت -صنعاء- طوال نصف قرن كل مظالمها وبؤسها عليكم وعلينا. ؟
لقد رسـّخت -صنعاء- مفهوماً غريباً وخبيثاً، رسـّخت في إذهان أبناء الشمال -المُغرر بهم - في أن أي فرصة لفك الأرتباط للجنوب أو نيله إستحقاقته، سوف يحرمهم من فرص الإنتقال والعمل والتجارة، وهنا فجاجة الفكرة وخبث تسويقها وجعلها من المسلمات بل الإيمانيات في تفكير أخوتنا في الشمال، والحقيقة التي لا مراء بها، أن الجنوب أن أقلع فسوف نقلع سويا، ولسوف تتحقق للجميع فرصاً واعدةً في الرقي والنماء، وستجد جيوش العاطلين مجال العمل والكسب، في أرضٍ تستقبلهم دون ضيق وتبرم عناء، وترعاهم كما ترعى أبنائها.
لا تخسروا الجنوب مرة أخرى ! ولا تحملوا في قلوبكم الكره والضغينة والغل ضده - فقد خاب من دساها -. أن الجنوب هو المشروع الواضح المعالم للإقلاع بوطن، وأن تحرر الجنوب من ربقة القبيلة والجهلة والقراصنة اليوم لفرصة سانحة لنا ولكم.
فقط ما تحتاجه الجنوب هو فرصة الأنعتاق وكسر قيود الإستحواث والهيمنات والطغيان، والتحرر من فئة أستطاعت في غفلة من الزمن سرقة أحلامنا ونهب لقمة عيشنا والتسفيه بطموحاتنا المشروعة.
قفوا مع الجنوب فلن تخسروا بوقوفكم معه إلاّ هوانكم وذلكم وقيودكم.