■ كثيرون من شبابنا لا يعرفون الهواك العوبثاني .. الا ان المناضل الحضرمي المقدم في جيش الانقاذ الوطني لحضرموت و المهرة : عمر سالم بحسابي العوبثاني ..الذي وافاه الاجل الاثنين 5جماد الثانية 1437هـ الموافق 14مارس2016 معروفا لطلائع الحركة الوطنية منذ انضمامه الي صفوف حزب رابطة ابناء الجنوب العربي ، في ستينيات القرن الماضي ، وانفصاله عنه اواخر 1968 للمشاركة مع عدد من رفاقه الحضارم في تأسيس جيش الانقاذ الوطني لحضرموت والمهرة .
□ كان عمر سالم بحسابي( بن علي بازور) .. واحد من ابناء " شعران" تلك القرية الوادعة و التي تحف بها الاراضي الزراعية و يشقها واديي شوحم و شعران حيث يلتقيان في مثلث يقسمها الي ثلاثة احياء .. تطوقها الأراضي الزراعية الممتدة الي سفوح الجبال الصخرية ـ المنتصبة في كبرياء و شموخ ، في لوحة جمالية متناغمة الالوان .. مؤثرة وشاعرية بإيحاءاتها في اشراقة كل صباح مع بكور الرعيان بابلهم و راعيات الاغنام بأغنامهن ، وعودتهن مع اصيل كل يوم.. من فجاج شوحم وشعران ـ شرقي وادي العين بحضرموت .
في هذه القرية التي لم يعرف سكانها الراديو و لم يعرفوا ما يدور على جبهات القتال في اوربا و شمال افريقيا او شرقها ،الا من خلال ما ينقله الجمالة القادمون من المكلا والشحر من اهلها او العابرين بها .. ولد عمر سالم بحسابي وعدد من اقرانه ، الذين سمعوا بتفاصيل تلك الاحداث الدولية من خلال القادمين من مهاجرهم الافريقية ، وسمعوا من كبارهم في مسامرهم عن ثورة بن عبدات ـ اول ثورة حضرمية ـ بل وعربية ضد الاستعمار البريطاني و السلطنات المتقاسمة لها ، كما سمعوا بالطائرات و الدبابات التي استخدمت في اخماد تلك الثورة عام 1939.
في اعقاب تلك الاحداث .. كان الشيخ : احمد بن علي بن عبدالله بن احمد باوزير .. قد عاد من الحجاز ، حيث درس القرآن و الفقه واللغة العربية على عدد من مشايخ الحرم المكي الشريف.. ليتولى امامة مسجد شعران و يفتتح مدرسته لتعليم اطفالها ومنهم عمر سالم بحسابي .
لم يكن الشيخ : احمد بن علي .. مجرد معلم ، بل اديب يحفظ الكثير من الشعر العربي و الحميني ـ الشعبي ، وراوية يجذب المستمع اليه شعرا و نثرا ، وبأسلوبه في رواية الاحداث التاريخية نقل الي تلاميذه كيف وحد الملك عبدالعزيز بن سعود المملكة العربية السعودية .. و ما تتمتع به ارض الحجاز من امن واستقرار الي آخر تلك الاحداث و المتغيرات التي حدثت بما فيها الحرب العربية الاسرائيلية ،على اثر قيام دولة اسرائيل عام 1948 ، تلك الروايات و الاحاديث لم تكن قاصرة على تلاميذه بل وتمتد الي مسامر كبار في لياليهم ، اعقاب ايام فلاحتهم او حصادهم لزراعتهم .. الامر الذي اسهم في تعويض صغار و شباب القرية ـ المعزولة عن العالم معرفيا بل وربما اسهم في تأسيسهم فكريا .. حيث سمعوا عن الحروب و الطائرات قبل ان يشاهدوها في سماء شعران وهي تهدد قبيلة العوابثة ، في ايطار تنفيذ سياسة ترسيخ سلطة الدولة ـ للسلطنة القعيطية ، التي رسمها المستشار البريطاني : هارلد انجرامس .. الذي تولى اخماد ثورة بن عبدات ، و الصلح بين قبائل حضرموت ،وعمل على استقطاب ابنائهم الي جيش البادية الذي أسسه على غرار الجيش الاردني ـ كقوة حضرمية تابعة لتاج البريطاني ولحماية محمية عدن الشرقية ، أي حضرموت بسلطناتها الاربع .
□□ في تلك المرحلة التي شهدت نقلة في وسائل النقل بين ساحل ووادي حضرموت .. حيث حلت السيارات كوسيلة نقل بديلة للجمال التي تراجع دورها ، وبالتالي تراجعت معها مداخيل قبائل وبادية هضبة حضرموت المالية .. الامر الذي دفع بهم الي الثورة بدلا عن الانتماء الي جيش البادية ، و منهم شباب وادي العين الذين أثروا الهجرة الي السعودية بدلا عن الانتماء الي قوة عسكرية اسهمت في ضرب ثورتهم ، ولم يتجهوا الي شرق افريقيا وأسيا لمحدودية المهاجرين اليهما من وادي العين ، و من هؤلاء الشاب : عمر سالم بحسابي ، الذي التحق بمن سبقه الي الرياض .. حيث عمل بحسابي كاتبا لدي احد تجار الخضار و الفواكه ، صباحا ،و واصل تعليمة في المدرسة التجارية بالبطحاء مساءا ، يومها كان الشيخان : سعيد احمد باوزير ( بن حمود ) و عمر محروس العوبثاني ( بن مشجر ) يعملان على مشروع المدارس الخيرية في وادي العين ، ولشحة المداخيل و عدم كفاية التبرعات .. التي كان بحسابي احد المسهامين فيها ( كما وجدتها في اوراق الشيخ : سعيد بن احمد باوزير) الذي تولى طرح المشروع على الشيخ : عبدالعزيز بن باز.. احد كبار علماء المملكة العربية السعودية و مفتيها ..بعد رحيل الشيخ : محمد بن ابراهيم آل الشيخ يرحمهما الله.. وهما ابرز من تقدم اليهما باوزير بمشروعه ، وشرح لهما ظروف ابناء وادي العين ، بدفع وتشجيع الشيخ : عمر محروس والشيخ : عبدالله احمد أبو فيصل ـ باوزير الذي قدم من أوغندا في شرق افريقيا الي الرياض .. و أقترح تسمية المدارس (المدارس الخيرية لحياة الوطن ) في الاجتماع الذي كتب الرسالة فيه الي الملك سعود بن عبدالعزيز .. ذلك الشاب المتحمس : عمر سالم بحسابي العوبثاني ، و هي الرسالة التي حملها الشيخ بن باز الي الملك سعود يرحمهما الله .. وعليها تم اعتماد ميزانية شهرية قدرت يومهاب/3000ريال سعودي ..غطت يومها جزء كبيرا من مصاريف المدارس و مرتبات المعلمين في الوقت الذي تم تغطية التوسع بعد إضافة مدرسة شعران على التبرعات .
□□□ استعرضت تلك الظروف و التفاعلات التي عاشها فقيدنا الهواك ، و التي كونت وعيه الثقافي و السياسي في الوطن و المهجر .. لتقديم صورة لخلفية تكوينه الثقافي والسياسي القومي ـ الذي بداء ناصريا على اثر حرب السويس عام 1956 ، لينتهي به الي الانخراط في تنظيم رابطة ابناء الجنوب العربي ،على يد الشيخ : عمر محروس العوبثاني .. مع عدد من اقرانه الشباب الذين انخرطوا في عضوية التنظيم و اختاروا الانتماء الي جناحه العسكري ، ليتلقوا مجموعة من الدورات العسكرية في المعاهد و الكليات المصرية و السعودية ـ كنواة للجيش الوطني القادم .. حيث تم اختيار :عمر سالم وعدد من رفاقه للتأهيل العسكري .. في معاهد ومعسكرات مدينة الطائف ـ السعودية، ومنهم على سبيل التدليل لا الحصر : الشهيد : عبدالله علي بن مجشر العوبثاني ، علي احمد باوجيه باوزير ، مبارك محروس العوبثاني ، وهؤلاء هم النواة المؤسسة لجيش الانقاذ ، فضلا عن : ، سالم عمر بن محمد باوزير ، و ريس وخالد بن مرضاح وعلي باوقيد آلخ ، بالاضافة الي الضباط الأكاديميون من خريجي الكليات المصرية و العراقية والسعودية، ومنهم : عبدالرحمن علي الجفري رئيس حزب الرابطة ـ اليوم ، الذي انضم الي تلك الدورات بعد تخرجه من الكلية الحربية في القاهرة .
على اثر تلك الدورات .. عاد بحسابي ورفاقه عام 1966 الي حضرموت كما عاد اليها عبدالله بن احمد ابو فيصل وبعض الشباب المدني، ليلتحقوا برفاقهم هناك للحصول على ترخيص لإقامة حزب الرابطة ـ كحزب حضرمي مستقل عن الحزب في عدن ، باعتبار السلطنة القعيطية سلطنة حضرمية لها مؤسساتها و قوانينها المستقلة ، وليست تابعة لاتحاد الجنوب العربي.
كانت حضرموت يومها تعيش حالة سياسية انقسامية .. فالرابطة التي اتسع تنظيمها في الارياف ، بمساندة القوى الاجتماعية ـ واجهت تنظيم الجبهة القومية الذي تمثل في الحزب الاشتراكي العربي ـ كحزب حضرمي ، و تنظيم جبهة التحرير .. الذي لم يكن له غطاء حزبي في المكلا .. والتحرير ايضا كالرابطة اتجهت الي استقطاب ابناء المناطق الريفية ـ شمال وغرب حضرموت ، معتمدة في استقطابها على تأثير اذاعة صوت العرب ـ المصرية ،التي انحازت اعلاميا الي جبهة التحرير بعد انشاءها عام 1966 من قبل المصريين .. ولتعزيز دور التحرير ، شن الاعلام المصري حملة ضد الرابطة و حركة القومين العرب ..وهي حملة جاءت متزامنة مع حادث قنبلة المكلا .. التي على اثرها اعتقلت السلطات القعيطية و الكثيرية قيادة الرابطة .. في الوقت الذي اتخذت منطقة " بران " احد رؤوس اودية شعران في خطم العوابثة ـ محطة لتجميع الرابطين من عسكريين و مدنيين ، بعد رفض قيادة الرابطة الاذن لهم في مواجهة السلطات بالعنف ، الامر الذي سهل لبريطانيا تسليم الجبهة القومية حضرموت من خلال توجيها لجيش البادية الحضرمي الاستيلاء على حضرموت في سبتمبر 1967 وذلك قبل انسحاب بريطانيا من عدن بثلاثة اشهر .. ولتجنب التصادم مع جيش البادية و القوميين بناء على توجيه القيادة السياسية ، مما اسهم في تأخير ثورة حضرموت ، وسهل للحزب الاشتراكي ـ فرع حركة القومين العرب في المكلا ، الحاق حضرموت بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 30 نوفمبر1967.
□□□□ تحولت " بران " الي محطة لتجميع وايوى الرابطين ـ ديسمبر1967.. حيث قدم اليها الاستاذ : عبدالله الجابري، الذي فر من سجن سيئون مع بعض رافقة و قدم اليها مسئول التنظيم العسكري : عوض سالم باوزير احد الكوادر المؤهل في العراق و ربيع راجح ..مع بعض رفاقهم من عدن ـ يومها اظهر :عمر سالم بحسابي ..حنكة ادارية تنظيمية ، تجلت في استقبال و استيعاب القادمين الي شعران و نقلهم الي بران ـ و ادارة الاتصالات مع بقية الرابطين في مناطق حضرموت رغم محدودية الموارد المالية.. في الوقت الذي كان فيه عبدالله علي بن مجشر يتولى قيادة المجموعة العسكرية .. تولى الاستاذ الجابري دور القائد السياسي.
بحضور الجابري .. ولدت فكرة العمل العسكري ـ الحضرمي في " بران " لا لمقاومة ضم حضرموت الي الجنوب بل واستقلالها موحدة ، وعلى اثر ذلك باشر الجميع التواصل مع بعض العسكريين في جيشي البادية و النظام و الشرطة ، حيث كان عدد من خريجي القاهرة وفي مقدمتهم : محمد سعيد باعباد و احمد عمر باوزير و علي باصالح وغيرهم يشغل مواقع قيادية في الشرطة وجيش النظام .. الا ان القوة الحقيقة كانت تكمن في جيش البادية ، الامر الذي فرض التواصل مع ضباطه الرافضون لضم حضرموت .. كلف بذلك احد كوادره الملازم ـ الشهيد: احمد عوض عبدان و الي جانبه بحسابي الذي كان قريبة عبدالله على بحسابي قائدا لاحد سراياه ، حيث افضى التواصل مع قادة وضباط جيش البادية .. الي اتفاق مع المقدم : عبدالله بحمد باقروان ..قائد منطقة العبر الحدودية ، على التحرك في اتجاه فصل حضرموت واستقلاها .. و على اثر ذلك حدد باقروان وزملائه نوعية المدرعات و الاسلحة المطلوبة ـ المستخدمة لدى جيش البادية و نوعية الذخائر المطلوب توفيرها ..وعلى اثر ذلك تقرر مغادرة "بران " الي الحدود الشمالية لحضرموت و التواصل مع قيادة الرابطة ، التي انتدبت الضابط :عبدالرحمن الجفري ، للقاء باقروان وضباط البادية.. الا ان اللقاء اقتصر على الرابطين الحضارم ـ وادى الي خلاف مع قيادة الرابطة لرفضها فكرة المشروع ،كما رفضت مطالب ابناء حضرموت في عقد مؤتمر عام للحزب، الامر الذي فسره الحضارم رفضا لمقاومة نظام الجبهة القومية .. وخشية استقلال حضرموت ، لتوفر وسائل انفصالها عن الجنوب .. المتمثل في مؤسساتها العسكرية و الامنية التي ما زالت قائمة يومها الي جانب وحدتها المجتمعية ، فضلا عن امكانيات الحضارم المادية في السعودية .
لذلك تبلورت الافكار التي ولدت في " بران " والمتمثلة في ضرورة انشاء حركة وطنية ـ حضرمية .. سياسية و عسكرية من مختلف التيارات السياسية لاستقلال حضرموت ووحدتها تحت مسمى " جيش الانقاذ الوطني لحضرموت و المهرة .. من مختلف الانتماءات السياسية و الشرائح الاجتماعية لاستعادة حضرموت وتوحيدها بسلطناتها ( الواحدية ، القعيطية ، الكثيرية و المهرية ) في كيان سياسي موحد اجتماعيا و جغرافيا يشمل اقليم حضرموت التاريخية و الطبيعية ، وبناء على ذلك تجاوز الجميع الانتماءات الحزبية و السلطانية ، وكان بحسابي احد القيادات المؤسسة لجيش الانقاذ ، وهو الذي اتخذ لقب جده "الهواك " اسما حركيا خلال مشاركته في معارك عرمة و زمخ و فعوضه ـ قبل تفرغه لقيادة الداخل وتكليفه مع رفاقه تهيئة الاستيلاء على هضبة حضرموت .
□□□□□ أقام بحسابي ورفاقه.. محطة استقطاب في خطم العوابثة و في "بران " حيث ولدت الفكرة .. وضعت خطة الاستيلاء على الهضبة التي تقسم و تفصل ـ حضرموت الساحل عن الوادي ، الا انه وعند التنفيذ لم يؤخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي حدثت بعد مؤامرة "الوديعة " واهمها تسريح عدد من ضباط وافراد جيش البادية ، و تصفية البعض منهم قتلا ومنهم المقدم : باقروان ـالذي قتل غدراوهو ذاهب لصلاة الفجر في حصون ال باقروان بحجر.
نجح نظام الجبهة القومية في تصفية جيش البادية .. من خلال الزج به في الوديعة ..الا انه لم يحقق الأهداف السياسية و الاجتماعية منها ..المتمثلة في فصم عرى العلاقات المجتمعية و التاريخية بين حضرموت و المملكة العربية السعودية .. رغم نجاح الخطةـ المؤامرة ـ في تصفية جيش البادية و توزيع من تبقى من أفراده وضباطه على بقية الالوية ، وفشلت في تحقيق هدفها السياسي و الاجتماعي ، حيث ادركت القيادة السعودية تلك الاهداف وبادرت الي توسيع دائرة رعايتها و استقبالها لأبناء حضرموت .. بل ودعمت توجههم في استعادة بلادهم و وحدتها و بأشراف مباشر من قبل صاحب السمو الملكي الامير : سلطان بن عبد العزيز ـ وزير الدفاع يرحمه الله .
بعد معارك عرمة و فعوضه و ثمود .. تبلورت خطة الاستيلاء على هضبة حضرموت ، التي تتحكم في العقاب المؤدية الي الطريقين بين الساحل و الوادي ، وتم التنسيق مع مجموعة من الضباط المسرحين لتوفير شحنات من الاغذية و المؤن لتوفيرها و تخزينها في خطم العوابثة .. وفي مناطق محددة من رؤوس وادي شحم ووادي بن علي ، الا انه لم يؤخذ في الحسبان التوقيت المطلوب لتوفير المؤن و العناصر القادمة من الساحل و القوة القادمة لاحتلال الهضبة ، لذلك ورغم التوغل في حضرموت حيث انفصلت قوة المشاة بقيادة احمد عوض عبدان ، حيث سلكت طريقا جبليا وصلت من خلاله الي رؤوس واديي منوب و بن علي ، في الوقت الذي واصلت القوة المكلفة بحماية السيارات الناقلة للسلاح و الذخائر طريقها الي وادي العين ، الا انها طوردت فور عبورها منطقة بدرة ، من قبل حامية مطار بحران العسكري ، وخلال عبور سيارة المقدمة لمنطقة "المعبرة " تعلقت الناقلة الاولي و هي منوع فارجوا 4×4 وسدت الطريق امام التي اليها ..الامر الذي اضطر افراد القوة الي الانقسام الي فريقين ـ فريق للدفاع في مواجهة القوة المطاردة ، واخر لتخفيف الحمولة عن السيارة العالقة لتمكينها من مواصلة سيرها ، في الوقت الذي توالت تعزيزات القوات المطاردة .. ليخوض الانقاذ الوطني واحدة من اهم المعارك رغم محدودية الافراد بقيادة : عبدالله علي بن مجشر ، الا ان تلك المعركة كشفت ناقلات المؤن القادمة من المكلا .. والتي كان يفترض وصولها الي الهضبة في وقت كافي قبل قدوم القوة المقاتلة الي حضرموت ، او ربما نتيجة لتوغل القوة في وادي حضرموت ، الامر الذي ادى الي استنفار مليشيات الجبهة القومية و تعزيزها بقوة عسكرية لاقامة نقاط نفتيش على الطريق القبلية ـ المؤدية الي دوعن ـ وهي النقاط التي كشفت مهمة اللوريات القادمة من المكلا .. لكشافها وجود اسلحة و ذخائر تحت شحنات الأرز و اللخم و كراتين التونة و الساردين الي جانب السكر و الشاي و البن وبقية المواد .
رغم توالي الدعم واشتداد المعركة.. استطاع بن مجشر ، سحب افراده بعد تفجير احد السيارات بسلاحها وذخائرها .. وصعدوا الجبال الي الخطم عن طريق عقبة نخليت .. تحت غطاء الانفجارات المتوالية لشحنة الاسلحة .. في الوقت الذي كان بحسابي و رفافة يترقبون وصول المؤن عن طريق رؤس وادي العين وقيادتها الي بران و من ثم الي المناطق المحددة .. والعودة الي عقبة صيرـ بوادي العين ـ لاستقدبال شحنات السلاح ، الا ان ما احدثته الانفجارات حولهم الي وادي العين ، ليلتقوا ببعض الفارين .. الذين اكدوا لهم فشل المهمة وعدم تجاوز" المعبرة " و نجاح عبدالله على في الانسحاب الي الجبال .
التقاء الجميع في اليوم اليوم الثاني .. ولمواجهة الموقف تم تكليف علي احمد باوجيه ـ باوزير بجلب جمل او اكثر لاطعام المقاتلين ، وعمر مانع بن رمضان ـ العوبثاني بجلب الذين فروا او انسحبوا ومنهم : على بن عبدالله بن فاجع و الشهيد :عوض على بن مصيقر، واخرين كلفوا بالذهاب الي جماعة عبدان و سعيد الشماسي واحضارهم كادلاء لمعرفتهم بشعاب وطرق المنطقة .
لم تكن هناك خطة بديلة او رديفة للخطة الأساسية .. واصبح الوضع يتطلب وضع خطة سريعة لتجميع القوة واعادة تموضعها او توزيعها في مناطق محصنة ويصعب اقتحامها بالاليات .. الا ان الوقت لم يسعفهم و حالة دون ذلك قوات الحكومية ـ الاكثر تجهيزا بما تملكه من سلاح وآيات و وسائل اتصالات ، فضلا عن طائرات الاستطلاع التي تسلمها النظام بقيادة بعض الطيارين السوريين .
طوقت تلك القوات بن مجشر و رجال و بحسابي ورفاقه المرهقون خلال اجتماعهم ، وكان راي بحسابي الانسحاب الي بطون الاودية في الوقت الذي اصر بن مجشر على المواجهة .. فكانت معركة " حمرنهد "مواجهة غير متكافئة بين قوة مجهزة بالمدرعات و الرشاشات الثقيلة و قوة فقدت سلاحها الثقيل في وادي العين .. في الوقت الذي كانت القوة البشرية و المعززة ببعض الرشاشات ومدافع البازوكا على مسافة ليست بالبعيدة ولكن تفصلها عن "حمر نهد " مجموعة من الشعاب و الاودية .. اصيب عبدالله علي و اسر كما استشهد بعض رجالة ، في الوقت الذي استطاع احمد عوض عبدان الانسحاب بقوته ليسقط شهيدا في معركة كريف بالخشر .. حيث تولى القيادة النقيب : سعيد الشماسي الذي سلمه عبدان حدود(400 الف شلن ) سلمها بكل امانة الحضرمي وعفة المناضل الي القيادة بما فيها تلك الربط المالية التي اخترقها الرصاص .. لم يفكر "الشماسي ـ يرحمة الله "في الاستلاء علي تلك الثروة رغم استشهاد حامها وعدم معرفة افراد قوته بهذا المبالغ الكبير والذي يمثل ثروة ضخمة بمقاييس السبعينات من القرن الماضي ، وهو واحد ممن اطلق عليهم المرتزقة من قبل قيادات واعلام النظام الجنوبي اليمني ـ فاين منهم وطنني اليوم ؟!
■ انسحب المقدم :عمر سالم العوبثاني .. برجاله ليلتقي مع سعيد الشماسي و رجالة بالقرب من منطقة زمخ .. حيث اطلعه الشماسي على محاولتهم الالتفاف على القوة المحاصرة لهم في "حمر نهد" وكيف حالة بينهم وبين ذلك لاودية ،لعدم معرفتهم بجغرافية المنطقة، ليجدوا انفسهم في مواجهات مع قوات الجيش التي اشتبكت معهم من مواقعها في اعالى الجبال وحاصرتهم في بطون الأودية ، مما اضطرهم لاتخاذ اقرر الانسحاب الي شرق المنطقة ، الا انه وبعد ان بلغتهم تفاصيل معركة وادي العين واحتراق السلاح وعدم توفر المؤن ، بالاضافة الي معركة حمر نهد قرروا العبور الي شمال وادي حضرموت ، كما ابلغه بوجد المبلغ الذي لم يصرف منه الا بضعة آلاف في شراء بعض الاغنام لتغذية حوالي الستين من الرجل المنسحبين من المقاتلين الذين تجاوز عددهم المائة فرد .
قدم المقدم : عمر بحسابي .. تقريره للقيادة مع خلاصات للأخطاء التي افقدت خطة الاستيلاء على هضبة حضرموت اهدافها ، وضمن تقريره خلاصة للدروس المستفادة لفشل الخطة ، وبناء عليها مقترحاته لنقل الاسلحة و المؤن وتخزينها في مناطق مختفة في المرتفعات الشمالية والشرقية لوادي حضرموت ، على ان يثم نقلها عن طريق الجمال الي مناطق في الهضبة ، وتخزينها هناك .. بحيث يتم الاستيلاء على الهضبة بعد ستة اشهر من العمل على توفير السلاح و المؤن ، في الوقت الذي يتم تغطية ذلك بعمليات عسكرية تقتصر على المراكز و المعسكرات في منطقتي العبر و ثمود ، إلا ان القيادة اجمعت على الاستيلاء على المراكز المحاذية للصحراء و الانطلاق منها الي الداخل .. هذه الخطة لم يوافق عليها يرحمه الله ، رغم ما قيل عن وجود تحضيرات لعمل اكبر في الداخل تعد له بعض العناصر الحضرمية في تنظيم الجبهة القومية ومنهم من كان له دورا في الاتصال بهم ـ او معرفة منذ تفرغه للعمل في الداخل و اتخاذه ورفاقه " بران " و مداريج شوحم مسرحا لتحركاتهم و نزهاتهم في انتظار تعليمات قيادة الرابطة التي لم تصل ،في الفترة السابقة لاقامة جيش الانقاذ ، والتي عرفوا خلالها تضاريس هضبة حضرموت للانطلاق منها لتحرير حضرموت و استقلالها .. هذا الهدف الذي لم يتحقق لأخطأ استراتيجية كان يمكن تلافيها لو طورت مقترحات الهواك .
رحل الهواك .. الذي لم تغادره حضرموت و لم يقبل الانضمام لأي عمل سياسي او وطني غير حضرمي ، و عاد اليها بعد حرب 1994 ليبني له بيتا في وادي العيص القريب من المكلا .. لكي يقضي بقية أيامه بين شعران حيث مرا تع صباه و المكلا التي توقع ان يعود اليها دورها كبوابة عربية على شرقي اسيا و افريقيا ، التقيته هناك في اصيل شعران وفي منزل والدي حيث استضافة مع اخية مبارك بعد سنوات تباعدت خلالها بيننا المسافات الجغرافية بحكم الاقامة و العمل .. سنوات طويلة الا انها ورغم طولها لم تحول ما كان من ود اخوى الى حالة من ماضي بعيد ، بل حالة متجددة تتسابق صورها و تجدد في ذكريات مفعمة بتلك التطلعات و الآمال المتطلعة الي استعادة حضرموت من خلال مشروع الدولة الاتحادية .. الذي تحدثت عنه في اذاعة المكلا .. قبل الشروع في الحوار الوطني بأشهر ، على اثر صدور المبادرة الخليجية ، يومها لم اكن اعرف انه في المكلا .. وانه واحد ممن استمع الي طروحاتي و من القلة التي اعجبت ورحبت بها ، في الوقت الذي هاجمني العديد من ابناء حضرموت على صفحات المكلا اليوم ، من مرددي شعارات الحراك الجنوبي .. وهذا هو بين من عركتهم التجارب و أكسبتهم الصعاب وضوح الرؤية وحصافة الراي الي جانب اصالة الانتماء ، فضلا عن الثقافة السياسية التي صقلتها سنوات النضال و التجارب الوطنية منذ كان يستمع الي روايات الشيخ المعلم: احمد بن على في مدرسة مسجد شعران .
■■ كان اللقاء حميميا عصر ذلك اليوم في شعران بعد سنوات طويلة .. جلسنا وكان ظلال الجبال القبلية لشعران يتمدد على اراضيها و سدرها ( علوبها ) المتراقصة مع نسمات اصيل ذلك اليوم ـ في سباق جميل ليطوي خيوط الشمس التي حولت الحيود الشرقية الي صخورا من ذهب .. هيجت ذكرياته و تذكر رفاق صباه وذكر منهم بالاسم : أحمد ابوبكر بن حمود ـ باوزيرو الشهيد : سالمين محروس بن قليزم ـ العوبثاني ، الذي اعدم في "صيف " مطلع السبعينات من القرن الناضي ، الي جانب ـ22 من شيوخ العوابثة و ال باوزير ، قائلا هل تعلم ان احمد بن بوبكر و عبدالله سالم بن مجشر( قرامس ) وصلوا الينا فجرا في اعقاب معركة المعبرة ، و استعرض سنوات من العلاقات و الاخوة الصادقة بين جيل ذلك الزمن الجميل .. يرحهم الله .
قطعت عليه روايات تلك المرحلة من صباه و شبابه ، وقلت له هل تعلم يا بو عبدالله .. ان مجلات المصور و اخر ساعة التي تصفحتها ذات يوم في بيتكم عند عودتكم من السعودية ..كانت خلف اهتمامي وهمي القومي و الوطني رغم انني يومها لم اكن قد عرفت الابجدية ، فرد على وهو يتذكر تلك السنوات بقولة هل تعرف انها ظلت في غرفة عبدالله ( عبدالله اخوه الكفيف و الاكبر ) وانها صودرت من قبل امن ومليشيات الجبهة القومية ـ الحزب الاشتراكي فيما بعد .. ونحن في الجبال عام 1970 ، فقلت له كانت ستكون دليلا لإدانتكبالرجعية و الارتزاق لو القي القبض عليك .. ضحكنا كثيرا في اصيل ذلك اليوم و تحدثنا اكثير حتى قدم العشاء في حدود التاسعة من مساء ذلك اليوم .. لنلتقي في الرياض بعد سنوات ثلاث في اجواء عاصفة الحزم ، في ضيافة الخال : سعيد عوض البوري العوبثاني للمقدم ـ الشيخ : علي سالم بالجبلي العوبثاني وبعض زملائه ،من حلف قبائل حضرموت ـ الذين قدموا للمشاركة في مؤتمر الرياض .. تحدثنا يومها في الحاضر و فرص بناء قوة حضرمية ـ عسكرية و أمنية و سياسية ، وتطرقنا الي موضوع الحلف ، الذي شكك في قدراته لتحمل مسؤوليات قيادة حضرموت سياسيا مؤيدا توسيعه عن طريق مؤتمر حضرمي عام تنتخب من خلاله قيادة حضرمية اجتماعية و سياسية ، الا ان الانقسامية في المجلس سادت الجلسة ، فطلب اخذ الخطوط العريض للمشروع .. وبعد قرأتها اتصل بي مشددا على المضي في المشروع ، على ان يتوافق مع عاصفة الحزم و اهدافها الراهنة و الاستراتيجية المستقبلية ، وشدد على عدم الالتفات لبعض ما طرح من البعض في تلك الجلسة ، أوالانشغال به قائلا : اذا ما تم لكم عقد مؤتمر وانتخاب قيادة تمثل مختلف شرائح و فئات المجتمع الحضرمي ، فثقوا ان هذه الانقسامية ستتلاشى و تلك المزايدات و المعارضات ستتراجع .
قلت له هل انت معنا فقال ان لم تمنعني موانع لا اظنها تخفى عليكم .. ولكن انا على استعداد لتقديم المشورة و المساهمة ما امكن بالراي ، غادرنا الي شروره التي اتخذ منها مسكنا منذ توقف جيش الانقاذ الوطني لحضرموت و المهرة .. الذي فرضته متغيرات عربية في اعقاب حرب اكتوبر 1973 و انتصاراتها التي جاءت نتيجة للتضامن العربي .
■■■ رحل الهواك .. وفي قلبه غصة و في عقله الكثير مما نحتاج اليه ، فإيهما نعزي القلب الذي اتعبه ذلك العقل ام العقل الذي ارهق القلب ؟.
---------------------------------------------------------------------------
*عضو المجلس المحلي لحضرموت ـ كاتب وناشط سياسي.