منذ أن انطلقت عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015م أخذت الكثير من الأسئلة الموضوعية تتزاحم في مستقبل اليمن ومسببات ما وصل إليه من حالة (الترنح) التي وجدت فيها القوى الإقليمية مجالاً للتدخل في الشأن اليمني للدرجة التي نجحت فيه إيران من التاثير المباشر بعد أن استغلت الانهيار السياسي في النظام اليمني وتنجح من خلال حركة الحوثيين في الانقلاب على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني.
علاقة اليمن بالخليج لا يمكن أن تعبر دون أن تمر بالمملكة العربية السعودية، فالرياض ليست مجرد جارة لصنعاء بل جزء من أجزاء اليمن السياسي وكذلك الاجتماعي والاقتصادي.
الأمير سلطان بن عبدالعزيز والأمير نايف بن عبدالعزيز - يرحمهما الله - كانا أكثر العارفين بتضاريس اليمن القبلية والسياسية، وكان الرجلان يدركان بالفطنة والدهاء والحكمة كيف يمكن تتطويع الأزمات اليمنية.
ومعاهدة جدة (2000م) بين السعودية واليمن شكلت نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين البلدين الأكبر مساحة والأكثر سكاناً في الجزيرة العربية، ومع أنها فتحت أفاقاً واسعة بين الرياض وصنعاء لكن الأخيرة كانت لا تملك تلك الرؤية في التقدم ناحية إصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد وانتهاز ما يمكن أن تتيحه علاقات متينة مع الجارة الرياض التي كانت في تلكم المرحلة تدخل إلى قائمة الدول العشرين وتبدأ مرحلة اقتصادية كبيرة، سقطت اليمن في خلافاتها السياسية منذ انتخابات 2006م وكان للصراع العنيف بين حركة الأخوان المسلمين وعلي صالح تأثيرات شديدة حتى وصلت للتصادم في فبراير 2011م.
كشفت اليمن عن كل البؤس فيها منذ ثورة التغيير ليظهر للعالم تردي اليمن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً أكثر من عشرين مليون يمني يعيش أكثر من نصفهم الأمية، وتتفشى البطالة والفساد مع تغول إيراني وجد الأفواه الجائعة والعقول الفارغة مستعدة لقبول الصفقة إسقاط صنعاء في مقابل السلاح والمال، الإيرانيين حددوا هدفهم بالسيطرة على باب المندب وجعل اليمن بؤرة صراعات وأزمات لتشكل ضغطاً على الجارة السعودية.
الآن.. الرياض استطاعت من بتر الذراع الإيراني في اليمن عبر استعادة مضيق باب المندب على اعتبار المصلحة للأمن القومي العربي، وبقي اليمن في أتون الصراع الذي لا يمكن تجاوزه، فالحوثيون لن يكونوا هم الحوثيين ما قبل 21 سبتمبر 2014م حتى وإن أعلنوا هزيمتهم العسكرية أمام التحالف العربي، فالمهمة التالية للحوثيين ستكون إبقاء اليمن في الصراعات والأزمات السياسية التي ستعطل كثيراً تحقيق تغيرات ملموسة في الاقتصاد والخدمات العامة، هذه المعادلة التي يجب أن تدركها وتعيها شرائح المجتمع المدني بعيداً عن أطماع وطموحات الحوثيين المدعومة من إيران.
في المقابل على اليمنيين أن يتعلموا من هذه الأزمة التي كشفت واقع حالهم وأن يحاولوا النهوض عبر تجنب التمترس وراء الأحزاب السياسية اليمنية التي صنعت دماراً وخراباً فكما كان الحزب الاشتراكي في الجنوب خاطئاً في سلوكه ومنهجه فالمؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع للإصلاح شركاء كاملين في جريمة الجهل والقتل باسم الوحدة اليمنية التي باتت تعاني أزمة لا يمكن تجاوزها بغير الدفع بأفكار وتطلعات تساعد الشعب اليمني في أن يعي بأنه لن يكون مع الخليجيين في تطورهم إلا عبر مؤسسات وطنية ترفع من قيمته العلمية ليواكب إخوانه في جزيرة العرب، اليمن كاملاً جنوبه وشماله أمام خيارين إما الحياة أو أن يكون معتلاً، الخيارات العسيرة تقود اليمن إن شاء اليمنيين إلى حياة تتماهى مع الخليجيين الذين كانوا ومازالوا أوفياء لليمن شعباً وتاريخاً ومستقبلاً.