تكتسب معضلة الدين والسياسة خصوصية فريدة في المشهد السياسي المصري قبيل الانتخابات النيابية المقرر انطلاقها في 18 أكتوبر الجاري، والتي تكتسب أهمية خاصة باعتبارها الخطوة الأخيرة في خريطة الطريق التي أعلنت عقب الإطاحة بحكم الإخوان في يوليو 2013، إثر احتجاجات شعبية على ممارساتهم.
ويرى مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، وحيد عبد المجيد، أن معضلة الأحزاب المصرية ذات المرجعية الدينية لها وجهان، الأول عام وسائد باستمرار، والثاني مباشر يتعلق بالحدث الانتخابي ذاته، وهو الأكثر حدة وسخونة.
وأشار عبد المجيد، في لقاء مع سكاي نيوز عربية، إلى أن حزب النور السلفي، الذي تعرض مؤخرا لانتقادات عدة بدعوى خوضه الانتخابات استنادا على مرجعيته الدينية، لجأ إلى خفض مستوى مشاركته من 4 قوائم إلى قائمتين، كما قلص عدد المرشحين في الانتخابات في خطوة واقعية، تحكمها قواعد اللعبة الانتخابية، من أجل تخفيض نفقاته والجهد المبذول بالحملة الانتخابية والتركيز على الدوائر التي تزيد فرصه بها، وليس كما أعلن الحزب لأنه لا يريد أن يستحوذ على نسبة كبيرة من المقاعد، لأنه ببساطة "لا يستطيع ذلك".
وحصد حزب النور 111 مقعدا بنسبة تقدر بنحو 22% من مقاعد البرلمان بانتخابات عام 2012، لكن عبد المجيد يرى أن أداء الحزب سيختلف تحت قبة البرلمان هذه المرة، لأن التمثيل الأول جاء بعد شهور معدودة من تأسيس الحزب في مايو 2011، ولأنه تواجد بعدد كبير نسبيا من الأعضاء، مما مثل عبئا على الحزب بالنظر إلى أن عددا منهم لم يكن مؤهلا بما يكفي، بينما سيكون التواجد الجديد أقل بالضرورة في برلمان مفتت، وسيتوقف أداء الحزب بدرجة كبيرة على نوعية المرشحين الذين سيحققون النجاح من بين إجمالي مرشحيه، وعددهم 230 مرشحا.
ويرى عبد المجيد أن حزب النور لن يحصد هذه المرة سوى 40 مقعدا على أقصى تقدير، وذلك في حال أدت "الحملة على الحزب" إلى نتائج عكسية مفيدة له.
وفيما يتعلق بحملة "لا للأحزاب الدينية"، والحراك السياسي الهادف إلى حرمان حزب النور ومن شابهه من البقاء بالمشهد السياسي، يقول عبد المجيد أن الأمر يستدعي الانتباه حتى لا تضيف تلك الحملات إلى رصيد الأحزاب الدينية، لاسيما أنها (الحملات) لا تستند إلى أساس قانوني، وتخلط بين سلطات لجنة الأحزاب وقانون الأحزاب الذي لم يتعدل بعد وفقا للدستور الجديد.
ويقول عبد المجيد أن النص القانوني يمنع قيام الأحزاب التي تستند على التفرقة على أساس الدين أو الجنس أو الأصل، وهو ما يصعب إثباته عمليا، ولهذا يجب أن تتجه الحملة إلى الضغط على المشرع من أجل تغيير القانون.
وبعيدا عن حزب النور، شدد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، على أهمية مواجهة مرشحين آخرين يلعبون بورقة الدين، لأن موسم الانتخابات يشهد التوسع في "الخلط بين الديني والسياسي".
ووفقا لعبد المجيد فقد استخدمت أحزاب، يفترض أنها مدنية، ورقة الدين بشكل معيب، مما يستدعي الانتباه إلى الممارسات التي تخرق قانون ممارسة الحقوق السياسية، وهو أمر لا تستطيع أن تقوم به اللجنة العليا للانتخابات بمفردها.
كما لفت عبد المجيد إلى أن المؤسسات الدينية، سواء الإسلامية أو المسيحية، يفترض أن تقوم بدورها للمساهمة في تخلص البلاد من معضلة الدين والسياسة المستمرة منذ دخول مصر العصر الحديث قبل قرنين من الزمان، والتي تعد، على حد قوله، سببا من أسباب التخلف على مستويات متعددة، وليست سياسية فحسب.