يعتقد كثيرون أن الإصابة بفوبيا مصطلح "تقسيم اليمن" عند الساسة العرب قد انحسرت كثيراً، وأن هناك طروحات في دوائر رسمية (بشكل غير معلن) تدرس فكرة أن تحرير "الجنوب" في سياق الحرب الجارية لا يعتبر مسألة تقسيم أو تجزئة، وإنما هو الأفق الواقعي المتبقي، وهو ضرورة لإستعادة دولة بات قيامها مهم لأمن المنطقة. وقد أثبتت كل الاحداث ومنها الحرب الجارية أن للجنوب قضية مختلفة تماماً عن "الجار الشمالي" الذي يصدّر أزماته في كل مرحلة الى الساحة الجنوبية ونجح مؤخراً في تحويلها الى جبهات حرب مفتوحة.
ودون خوض في معطيات لا يحتملها السياق، يكفي معرفة أن الحدود الدولية بين "الجنوب" و"الشمال" لم تكن من اختراعات "سايكس بيكو"، ولم يكونا يوماً ما دولة واحدة بأي مسمّى سياسي، فاليمن أسّس دولته المعاصرة بشكلها البدائي بإسم "اليمن الملكي" في العقد الثاني من القرن العشرين وكان قبلها يتحرك في نفس الجغرافيا، وإن تمدد هنا أوهناك كان يعود لينكمش بداخلها، تقوده منظومات متتابعة نابتة من بيئة واحدة، وحين تجمهر تجمهر على أرضه فقط واستمر تحت لوائه المتوارث حتى وإن اختلفت المسميات.
واليوم يتضح أكثر بأن "الشمال" يستوطن حظيرته التاريخية التقليدية ويعود بشكل أوضح تحت كرسيِّه الذي تتولاه الحاكمية التقليدية "المقدسة".
بالعامية "المعمية" لولا تحرّش القومجيين، المصابين بمسٍّ أيديولوجي، في إثارة اللهفة الوحدوية واستنبات مصائبها من بيئة عدن اليسارية حينها لكان اليمن بالنسبة للجنوب بلداً جار يجمعهما "عتم الود" وحق الجوار وربما أكثر وربما أقل.
لهذا يتفق كثير من المراقبين الآن بأن دول التحالف إن شاءت أن تطيل أمد الحرب فعليها أن تحصر أهدافها في ما يسمى "بعودة الشرعية" المتهتكة، التي لا تمتلك أي قاعدة شعبية حقيقية لا في "الشمال" ولا في "الجنوب"، حينها تطول آماد الحرب وتتفرع غاياتها، آخذة كل الأبعاد فتطفح الساحات بالتنويعات الجهادية وتخرج عن نطاقاتها المرسومة حتى تنضج "تقرّحات الأشقاء" في سورية والعراق وتتفشى على الجسد الموبوء أصلاً والمرشح لكثير من التصدعات والانهيارات المرعبة.
وعلى هذا الأساس هناك دعوات من شرائح ومفكرين خليجيين وعرب لدولهم من أجل مراجعة مواقفها بشكل جذري وواقعي على اعتبار أن مفتاح الحل هو الفصل بين قضيتي "الجنوب" و"الشمال"، يقوم على مساعدة المقاومة الجنوبية بشكل علني وممنهج لتحرير الجنوب وتأمينه، وقيادته نحو المستقبل الذي سيختاره، يقابل ذلك مساعدة المقاومة الشمالية بغية فرض تسوية سياسية واقعية لتعيد التوازن وكبح هيمنة أي طرف هناك، ثم خلق إطار واقعي للعلاقة بين "الشمال" و"الجنوب". وتستطيع دول التحالف إقناع العالم بأن هذه هي البوابة الواقعية المتاحة للخروج من كوارث الحروب المستمرة.
عدا ذلك تصبح كل الخيارات مخيفة جداً لأن البديل هو تكاثر وتوسع حلبات الصراعات المختلفة في إطار حرب دينية ضروس يتم فيها عرض منتجات القاعدة والسلفية الجهادية والإخوان والحشد الحوثي وأحزاب الله وسيكون "التقسيم" حينها تكسيراً على إيقاعات أُمراء وأئمة الجهاد، وتصبحون على خير يا أهل الجزيرة بانتظار النوبات الوافدة إليكم.