قلناها مراراً مدينة الشمس الخالدة "فولكانو" مؤجل.
شهدت في كل تاريخها تقلبات راديكالية عميقة وظلت مجتهدةً تنمو فوق الجراح.
أهلوها ليسوا ممن يصنعون الصراخ ويحملون أسلحةً "للمنجهة" وللتصوير الفضائي أو يتْلُون أبيات حمينية أو نبطية أو زجلية مغنَّاة تصف شجاعتهم في وقت "العوافي"، بل أهل عدن يحملون صفةً مدنية ثابتة في طبائعهم المتواضعة المنفتحة، لكنهم أُسود حين يكتظ الغاب بالذئاب والثعالب فتتحول نسمات بحرهم الى بواريد متفجرة في وجه القتلة.
عدن، "مسير يوم"، في كل التواريخ احتضنت كل الالوان والثقافات، حتى "تبدّى على عرض البحور نداها".
عاشت تبث من شرفات ليلها ذكريات نُخَب من أمجاد وأجيال تبعثروا على أمصار الدنيا القريبة والبعيدة بفعل الزمن الصعب الذي لم يترك للمدينة نكهتها العفوية لتنكمش حينها بين الغبار والشعار الملتهب، إلّا انها كانت تمحو خطيئة الآخرين وتحتفظ بالروح الولّادة وخاضت كل المتغيرات القسرية بكفاءة القدرة على البقاء النوعي.
عدن تقاتل الآن وتعصر من دمها "شراب الحرية" الناضح من نَخْب المعركة، فلم تعد "مسير يوم" لمن يزحف نحوها براياته الهولاكوية الفوضوية ولن تكون قريبة من أيادي العابثين بعد اليوم.
مرت من عدن مواكب مضيئة وتخلدت في ذاكرتها أسماء وأفعال وعلى جدرانها نُقشت أزمنة الأغاني ولم يُذهب الموج عن رمل شطآنها وخلجانها أسماء العابرين، لكن قواربها مكثت على مقربة من "ملكوت الريح"... وهكذا وعلى مرِّ الأزمان ظلت جنة عدن تقاوم لتبقى هي المليحة التي "ترفع للشمس نزيفها"،
وتقاوم لتستعيد لؤلؤها المسروق من كل الأزمنة الماضية.
كل هذه القدرة على التضحية تضع عدن في مقدمة المدن المقاومة من أجل الحرية وتضع أبناءها على صدارة جيل عربي جديد لن يتعثر بعد هذه الواقعة الكبرى، وسيظل يرفض هيمنة الطوائف والقبائل والمناطق ليعيد لعدن قواعد عشقها الأصيلة، ومن يعرف قواعد العشق العدني يدرك بأنها ليست تلك التي يمكن نسخها من سياقات صوفية أو رباعيات ضاجّة بسهد الخيام، بل هي عدنية فقط يتطلب فهم عشقها صوغ وجداني على مدى أعمار كاملة... ولعل القدرة على التضحية والصبر من أجل الحرية هي أكثر القواعد التي تتجلى هذه الايام وبصورة ناصعة.
عدن عاصمة الجنوب تنتصر وعدن تتحرر من كل الغزاة والطغاة ومن رياح الأزمنة الغابرة.