من قصيدة بُشرى النبوة للبردُّوني رحمه الله يصف فيها ارض الجنوب وأحوالها
أرضُ الـجـنوب ديــاري وهــي مـهدُ أبـي / تــئـنّ مـــا بــيـن سـفـاحٍ وسـمـسار
يــشـدُّهـا قــيــدُ ســجّـانٍ ويـنـهـشُها / ســـوطٌ ويـحـدو خطاها صــوتُ خـمّـار
تـُعـطـي الـقـيادَ وزيــرًا وهــو مـتّـجرٌ / بـجـوعـها ،فـهـو فـيـها الـبـايعُ الـشّـاري
فـكـيـف لانــتْ لـجـلادِ الـحـمَى عــدنُ / وكــيـف ســاسَ حِـمـاها غــدرُ فُـجّـارِ
وقـــادهــا زعـــمــاءُ لا يــبـررهـم / فــعــلٌ ، وأقـوالـُهم أقـــوال أبـــرار
أشــبـاهُ نــاسٍ ، وخـيـراتُ الـبـلاد لـهـم / ووزنُــهـم لا يــسـاوي ربـــعَ ديــنـار
ولا يـصـونـون عــنـدَ الــغـدرِ أنـفـسَهم / فـهـلْ يـصـونون عهدَ الـصُّـحبِ والـجارِ
تـــرى شـخـوصَـهمُ رسـمـيـةٌ وتــرى / أطـمـاعَهم فــي الـحـمىَ أطـمـاع َتـجَّـار
أكـــاد أســخـرُ مـنـهم ، ثــم تـُضـحكُني / دعــواهُــمُ أنّــهـم أصــحـابُ أفــكـار
يـبـنـونَ بـالـظـلم دورًا كـــي نـمـجِّدَهم / ومـجـدُهـمُ رجـــسُ أخــشـابٍ وأشـجـارِ
لا تـخـبـرُ الـشـعـبَ عـنـهـم إنّ أعـيـنَهُ / تـــرى فـظـائعَهم مــن خـلـف أسـتـارِ
الآكــلـون جـــراحَ الـشـعـبِ تـخـبـرُنا / ثــيـابُـهـم أنـــهــم آلاتُ أشـــــرارِ
ثـيـابـُهم رشـــوةٌ تُـنْـبـِي مـظـاهـرُها / بــأنـهـا دمــــعُ أكــبـادٍ وأبــصـار
يــشــرون بــالـذل ألـقـابًـا تـُسـتـِّرهم / لـكـنَّـهـم يسترون الــعـار بـالـعـار
تـحـسُّـهم فــي يــد الـمـستعمرين كـمـا / تــحـسُّ مـسـبـحةً فــي كــف سـحّـار
ويــــلٌ وويـــلٌ لأعـــداء الــبـلاد إذا / ضــجَّ الـسـكونُ وهـبـتْ غـضـبةُ الـثـارِ
فـلْـيـغنمِ الــجـوْرُ إقـبـالَ الـزمـان لــه / فــــإنّ إقبالَه إنــــذارُ إدبــــارِ
والــنــاس شـــرٌ وأخــيـارٌ وشــرُّهـمُ / مــنــافـقٌ يــتــزيَّـا زِيَّ أخـــيــارِ
وأضْـيـَعُ الـنـاس شـعـبٌ بــات يـحـرسُه / لــــصٌ تــُسَـتـِّره أثـــوابُ أحــبـار
فـــي ثــغـرهِ لــغـةُ الـحـاني بـأمـتِه / وفـــي يــديـْه لــهـا سـكـين ُ جــزار
حــقـدُ الـشـعـوب بـراكـيـنٌ مـسـمّـمة / وقُــودُهــا كــــل خـــوَّان وغـــدَّار
مِـــن كــل مـحـتقرٍ لـلـشعب صـورتـُه / رســـمُ الـخـيـاناتِ أو تـمـثـالُ أقـــذار
وجُــثـةٌ شـــوّشَ الـتـعـطير جـيـفَـتَها / كـأنـهَـا مِـيـتـةٌ فـــي ثــوب عـطـّار
بــيـن الـجـنـوب وبـيـن الـعـابثين بــه / يـــومٌ يــحـنُّ إليه يــومُ " ذي قــار"
يـاخـاتـمَ الـرُّسـْل هــذا يـومُـك انـبـعثتْ / ذكــراهُ كـالـفجر في أحـضـان أنـهـار
يــا صـاحبَ الـمبدإِ الأعـلى ، وهـلْ حـملتْ / رســالــةُ الــحــق إلّا روحُ مــخـتـار ؟
أعـلـى الـمـبادئِ مـَـا صـاغـتْ لـحـاملِها / مِــن الـهـدى والضحايَا نـصـبَ تـذكـار
فـكـيـف نــذكـرُ أشـخـاصًـا مـبـادئهم / مـبـادئُ الـذئـبِ في إِقـدامـه الـضّاري ؟!
يــبــدون لـلـشـعب أحـباباً وبـيـنـَهمُ / والـشـعبِ مــا بـيـن طبْعِ الـهرِّ والـفارِ
فمــَا أغـنِّـيكَ يــا" طــه " وفــي نـغمي /دمـــعٌ، وفــي خاطري أحـقـادُ ثــُوار ؟
تـمـلْـملتْ كـبـريـاءُ الــجـرح فـانـتزفتْ /حـقـدي عـلـى الـجوْر مِـن أغوارِ أغْواري
يــا" أحـمـدَ الـنـور" عـفوًا إنْ زأرْتُ ، فـفي صــدري جـحـيمٌ تـشـظَّتْ بين أشعارِ
" طـــهَ " إذا ثــار إنـشـادي فــإنّ أبــي " حـسّـان " أخبَارُهُ فــي الـشعر أخْـباري
ابــنٌ لأنـصـارك الـغـرِّ الألــى قـذفـوا / جــيـشَ الـطـغاة بجيْشٍ مـنـك جــرَّارُ
تـظـافرتْ فــي الـفـدَى حـولَـيْك أنـفـسُهم / كــأنـّهـمْ قــــلاعٌ خــلـف أســـوار
نـحـن الـيـمانين َ يــا" طــهَ " تـطـيرُ بـنا / إلـــى روابـــي الــعـلا، أرواحُ أنـصـار
إذا تــذكــرتَ " عــمــارًا " وســيـرتـَه / فـافـخـرْ بــنـا إنّنا أحـفـادُ " عـمّـار"
"طــه َ" .. إلـيـكَ صــلاةُ الـشِّـعر تـرفـعُها / روحـــي ، وتَـعـزفـُها ، أوتـــارُ قيثاري
رحم الله الشاعر المبصر عقلا وروحا وفكرا ..
رحم الله عبده .. عبدالله البردّوني