كل يغني على ليلاه

2015-01-11 18:51

 

على مدى عقود خلت لم يستطع الشعب العربي الفلسطيني انتزاع دولته من براثن الصهيونية، لا لأن عدوهم أكثر قدرة ومددا، ولكن لحالة الضعف العارم في الجسد الفلسطيني الذي فوت فرصة تاريخية في تحقيق إرادته بحكم ما لدى هذا الشعب الشقيق من تباينات سياسية ومكونات متنوعة تستمد دعمها من أطراف دولية وإقليمية متعددة، الحال الذي أخضع معظم قيادات الفصائل لانتهاج ما يملى عليهم من الخارج وبغض النظر عن تحقيق الهدف واستثمار ما قدم شعبهم من تضحيات وبطولات.

 

الحال الذي منح عدوهم أريحية مطلقة في اللعب بأوراق متنوعة مستثمراً ضعفهم بدرجه أساسية.

 

ولا نذهب بعيدا في شرح أسباب هذا الصراع الذي بدا العالم معنيا بإدارته لا حله.. لأن صلب موضوعنا متصل بقضية أخرى تبدو في تشعباتها وتنوع فصائلها وإستراتيجية قياداتها لا تختلف من حيث جوهر المشكلة الداخلية مع ما لدى الأشقاء في فلسطين الذين عجزوا عن رأب صدع انقساماتهم المعيبة رغم المحاولات البائسة.

 

فحين نقرأ ما يجري على الساحة الجنوبية نجد تماثلا في الأداء وتيهاً عن تحقيق الأهداف المرجوة لنضالات شعبنا الذي لم تحترم إرادته قط من قبل النخب السياسية العاجزة حتى اللحظة عن تجاوز معضلة انقساماتها وتبايناتها.

 

وكلما تم الاقتراب من حلول معينة تبدأ تغريدات متنوعة لا تعبر في جوهرها إلا عن أهواء النخبة التي تعمل بمعزل عن الشعور الوطني والإحساس المسؤول تجاه تضحيات أبناء شعبنا، تحت واقع حياة لا تليق بالإنسان وكرامته، وكافة الفصائل العتيدة لا تمتلك رؤية واقعية للوضع إلا أن هذا المجموع الغريب يقفز إلى مفصلية تحديد كنه الدولة المفترضة دون أن يجهد نفسه في بحث السبل التي تبلغنا هذه الغاية.

 

ما يعني أننا نكرر تجربة تحرير شديدة الصلة بما هو لدى شعب الجبارين في فلسطين الشقيقة.. الحال الذي منح الطرف الآخر القدرة على استخدام ما لديه من أوراق ومغالطات تاريخية بغياب بعدنا الاستراتيجي في كيفية استعادة حق لعدالة قضية بهذا الحجم من الوضوح، فالدعوات لتحقيق الحد المطلوب من التوافق مسبوقة بسوء نوايا واضحة وبأولويات تقفز تماما عن الثوابت الأساسية التي ينبغي أن يبنى الإجماع عليها بدرجة أساسية.

 

سقوط آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين وكل ما ارتبط بحال غياب العدالة والدولة والتردي القيمي الفاضح لم يشكل دافعا لدى معظم هذه الأطراف باستحضار تاريخنا كشعب مقاوم للظلم يعشق الحرية ويأبى الاستعباد.

 

حتى مع فاتورة الدماء النازفة لم نجد أدنى تبدل في الأداء على الصعيد السياسي، فمكامن العقد المتأصلة تسحب نفسها على أي أداء أو دعوات ومبادرات إذ ما تلبث أن تتحول المبادرات إلى بناء مكونات وهكذا نمضي باتجاه حالة من مغالطة الذات، والعمل المفكك الذي ليس فيه أدنى نفع لمجتمعنا الصابر.

 

حتى إننا إذا ما تعمقنا في قراءة المشهد الجنوبي لا نجد جهودا فعلية مخلصة تعمل من أجل تجاوز معضلة الراهن بكل ما يتصل به من فاتورة تضحيات جسيمة، فهؤلاء الرموز ـ ولا أشير إلى الكل ولكن معظمهم ـ ليسوا في عجلة من أمرهم، فهم ربما وجدوا في الوضع القائم ما يمثل أهواءهم التي في مقدمتها ما يتم جنيه من مكاسب ومنافع ذاتية بغض النظر عن مستوى التضحيات الجسيمة لأبناء مجتمعنا الذي لم يكن قد وقع في فخ الوضع الراهن، لو أن هؤلاء حرصوا منذ البداية على الانحياز لخيارات شعبهم.

 

المثير للأسى أننا نتحدث عن قضية عادلة بكل المقاييس، إلا أن تحقيق العدالة لها أمر على درجة بعيدة مما هو قائم وما يعتمل من تفكير على صعيد النخب التي تستغرق في استحضار الماضي ولا تريد مغادرته.

 

* الأيام