الإنسان جوهر هذا الوجود، خلقه الله وكونه وشرفه وميزه على سائر المخلوقات، بل أوكل إليه مسألة الخلافة في الأرض، وأمرة أن يعبده ويطيعه ويبني حياته، ويكون علاقة مع أخيه الإنسان على أساس من العدل والتكافل والتكافؤ وعدم الجور، فهل ما يجري على الأرض اليوم يسير على هذه الأسس؟ كلا وألف كلا.
ما دعاني للتفكير في مثل هذه الأمور سيل الدم وألسنة اللهب في بلادنا العربية، وحالة الحصار المفروضة على عقولنا وأسماعنا وأبصارنا التي ما انزاحت وما برحت تلاحقنا في الصحف والتلفونات وشبكات التلفزة والنت، بل وعلى الواقع المعاش حتى لانكاد تضمن العودة إلى منازلنا.
تدلف إلى بيتك فلا تسمع أذناك غير: “الحوثيون يقتحمون.. القاعدة تعدم..، داعش تقطع رؤوس..، أنصار الشريعة يذبحون..، أنصار بيت المقدس يقتلون..، وقوات فجر ليبيا تحرق..، وجبهة النصرة تختطف، وبوكو حرام تنفذ الإعدام وتختطف مائتي فتاة وتزوجهن، وفتح تتهم حماس، وحماس تتوعد فتح”، وخذ من هذه العناوين والجغرافيا الملتهبة من قبيل، عين العرب (كوباني)، بغداد، دمشق، طبرق، وهكذا كلها نار ودم، وللأسف كل هذا في البلدان العربية، وإن تجاوز ذلك فإلى بلد إسلامي، فما سر هذا التناحر وعلى هذه الرقعة الجغرافية فقط؟.
أين حماسة النخوة العربية التي استثارت يومًا في أزمنة غابرة هرم بن سنان والحارث بن عوف فجعلت أحدهما يترك زوجته ليلة زواجه بعد أن حثته هذه الزوجة وبعثت فيه النخوة للسعي في الصلح بين عبس وذبيان فتحقق ما أرادا ودفعا - أي الحارث وهرم - أكثر من ثلاثة آلاف ناقة من أمولهما الخاصة!.
من يبعث لنا اليوم (هرمًا وحارثا) ليطفئا ناراً ستأتي على كل مصالح الحياة؟ وأين أرباب النخوة والأخيار في هذا العالم ليسعوا إلى وقف أنهار الدماء وتجفيف منابع الصراع وإحقاق الحق وتحرير الإنسان من استبداد أخيه الإنسان حتى يتم التركيز على البناء والتنمية.
ولماذا لا يوجه جزء بسيط من المليارات التي تخصص لصناعة أسلحة الفتك والدمار لحفر آبار وشراء أدوية ورغيف لأطفال أفريقيا وأطفال الدول الفقيرة الذين تتاجر بهم عصابات الإجرام والدناءة؟ وأين ضمير هذا العالم من كل ما يجري؟.
لماذا ترجحون كفة صنعاء على كفة عدن، مع معرفتكم أن صنعاء لم ولن تقوم فيها دولة بالمعنى الصحيح، وأنها عاصمة ومأوى لعصابات العربدة والاختطاف، وأن عدن عاصمة لدولة كانت ملء السمع والبصر، وأن الوحدة قد انتهت فعلياً ولم يعد لها وجود؟.
يا أخيار العالم: السلام غاية عظيمة وكرامة وحرية الإنسان حق كفلته شرائع السماء وقوانين الأرض، فمتى تستثيركم مشاهد العذاب وسفك الدماء ومصادرة الحقوق، أم إنها شريعة الغاب وعصر التوحش؟.
يا أخيار هذا العالم: أفيقوا واستيقظوا، فالإنسان أخ للإنسان، وغاية هذا الوجود العبادة والخير وإعمار الأرض وليس خرابها وسفك دماء أبنائها.
* الأيام