ذات يوم من وقت قريب قلت للفنان العربي اللبناني الأصيل مارسيل خليفة في لقاء جمعني به في مدينة عدن: إنني أجهش بالبكاء حينما اسمعه يغني رائعة درويش : احن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي ..فيما ينتابني حين اسمعه ينشد :علمني الجرح النازف إن الأحمر اشرف من كل الألوان شعور مقدس نحو هذا اللون باعتباره رمز يشير إلى دم الشهيد .
كان هذا قبل أعوام من الآن إما اليوم فإنني سأعتذر لمارسيل فقد بت انفر من كل شيء له صلة باللون الأحمر وحتى إن سمعته يغني سأضطر لإغلاق صوته وربما انتقل إلى أغنية احمد يوسف الزبيدي الأبيض والأسمر..
وإن تكرر لقائي بالفنان مارسيل وسألني عن سر نفوري هذا سأجيبه بأن الأحمر لدينا ليس لونا شريفا مطلقا بل هو اسم لإمبراطورية فساد وغابة خراب تاهت في أدغالها أحلام الناس في دولة تنتمي إلى العصر ،الأحمر هنا ليس شهيدا سقط وعاد إلى أمه وعلى محياة تشرق ابتسامة بل هو نهاب نهب البر والبحر وما في باطن الأرض من ثروات ثم عاد إلى قبيلته منتفخ الكرش والأوداج كأبطال مسلسلات كرتون الأطفال المرعبة فبكى لأجل ذلك وطن وبسببه جاعت امة.
الأحمر لدينا ليس من ضحى بنفسه ليعيش شعبه حرا كريما بل هو من ضحى بشعب واستبد بأمة ليعيش هو في القصور ويحوز المليارات .
الأحمر هنا لم يمت ليصنع الحياة بل هو من قتل الحياة وتقاسم الوطن وحوله إلى إقطاعية خاصة .
حمران حاشد أو العصيمات أو سنحان لا يشبهون ذاك الدم الأحمر النازف من جرح شهيد أو مقاوم في وجه إسرائيل بل هو عنوان مشروع ظلامي متخلف لا يجيدون إلا القتل والنهب دون رادع ودون وازع من ضمير.
إن حدثني مارسيل عن اللون الأحمر في قميص الشهيد أو الجريح ورائحته الزكية التي تشبه رائحة الجنة سأحدثه عن آل الأحمر هنا ورائحة فسادهم وظلمهم التي تفوح رائحتها على بعد خمسين الف سنة سأحدثه عن الجهادي علي محسن الأحمر وعن الشيخ الأثري صادق الأحمر وعن ناهب الأرض والثروة مستعينا بقوة ونفوذ الأسرة حميد الأحمر سأحدثه عن حسين وحمير ومحمد علي محسن الأحمر والقاضي وعن كثيرين من مملكة آل الأحمر من شيوخ وتجار ونهابين وعسكر .
سأحكي له كيف أذل آل الأحمر الشمال وكيف نهبوا ودمروا وتآمروا على الجنوب،وسأقص عليه حكاية طريفة وغريبة كيف إن آلاف الشباب ثاروا ضد فسادهم وظلمهم وضد ومشروعهم الجاهلي وباتوا لأجل ذلك في الميادين والساحات لأكثر من عام فإذا بآل الأحمر يسبقون السياسيين والأحزاب بالتحاقهم بهذه الثورة بل قالوا أنهم هم حماتها وقادتها ثم داسوا وأهانوا كل الدماء الحمراء التي سالت في محرابها وقربانا لها.
عذرا ما رسيل ماعادت أغنيتك تشجيني فقد محوت اللون الأحمر من بين الألوان المقدسة في قاموس الواني ولا أحبذ استخدامه إلا حين اقرأ تعويذة الشياطين الحمر .
لا بارك الله فيهم كيف استطاعوا إن يسيئوا إلى كل شيء جميل حتى الألوان والأسماء أساءوا لها لمجرد أنها فقط شابهت أسماءهم.