بعد اجتياح قوات نظام علي عبدالله صالح لأراضي الجنوب في صيف العام 1994م مدعما بعدد من الألوية الجنوبية فرّت القيادة الجنوبية في ذلك الوقت بأكملها ولم يتبقَ منها أحد سالكة نفس المسارات التي حددها الرئيس اليمني في خطاباته وتركت الشعب الجنوبي اعزلا ومكشوفا ففعل المنتصرون ما يحلوا لهم من نهب للممتلكات العامة والخاصة والاستيلاء على كل مقومات وإمكانيات الدولة السابقة ناهيك عن المساحات الشاسعة من الأراضي في الجنوب بكل ما تحتويه في باطنها ولم تسلم من نهمهم وشراهتهم حتى الأسماك في قيعان البحار.
وغابت كل القيادات عن الأنظار واختفت عن وسائل الإعلام إلا من عاد منهم إلى بيت الطاعة والتحق بسائس الخيول الجامحة فعاد مطبلا لعفو الزعيم و مسبحا بحمده.
ومع انطلاق الثورة الجنوبية في العام 2007م وبعد اشتداد عودها حتى امتدت إلى كل المدن والأرياف توالى الظهور الإعلامي لقيادات الخارج واحدا بعد الآخر لكن دون أي خطوة شجاعة تتبعها العودة للوطن للالتحام بجماهير الشعب الثائرة بل ساهمت في تشتيت الجماهير من خلال صناعة المكونات المتناثرة هنا وهناك مما شكل حالة من الانفصام والتيه على كافة الأصعدة الشعبية.
وهنا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كثيرا من صفات القائد والقيادة ليست متوفرة في كثير ممن تمت تسميتهم بها ، بل كان ظهورهم بعد طول غياب من أسباب تفرق الصفوف و محاولات إقصاء الآخرين وربما هو السبب أن العالم لم يحترم قضيتنا ولم يأبه لها و نظرته في ذلك أن الناس في الداخل مشتته الكلمة متصارعة القيادة ولا تعرف ماذا تريد!
ولو ذهبنا بعيدا لنتلمس الفارق وإلى مدينة صعده تحديدا حيث تنظيم الشباب المؤمن الذي تحول لحركة لها أهدافها و لديها أفكارها وقد شنّ عليها النظام ستة حروب شعواء ابتداء من 2004م محاولا استئصالها ووأدها أو إضعافها على أقل تقدير لتسهل السيطرة عليها لكن حساباته أخطأت تقديراتها فلم تضعف الحركة حتى بعد مقتل زعيمها السيد حسين الحوثي رحمه الله الذي كان يقاتل مع أتباعه ويبث فيهم العزم من وسطهم من جبالهم وأوديتهم وليس من فنادق الخمسة نجوم .
وقد قويت شوكة الحركة بهذا التلاحم واكتسبت مزيدا من المناصرين والمحبين والأتباع واستلم زعامتها من بعده أخيه السيد عبد الملك لتشهد الحركة في عهده توسعا وسيطرة لم يكن ليخيّل لبشر أن حركة محاربة ستصل إلى ما وصلت إليه حركة " أنصار الله" وبعيدا عن اتفاقنا مع الحركة أو اختلافنا معها في بعض الأمور إلا أنه يحق لها أن يستشهد بها في واقعنا كحركة رسمت لها هدفا ووحدت قيادتها وكان قائدها حاضرا بين أتباعه حتى اكتسب محبتهم و صار لهم وزن بوحدة صفهم وحسن إدارتهم لشئونهم .
وكذلك فعل زعيم المؤتمر الرئيس اليمني السابق الذي خلعته الثورة الشبابية فكان بإمكانه أن يغادر البلاد وينعم بالحياة السعيدة ورغد العيش في أجمل بلدان العالم لكنه رفض كل ذلك فظل صامدا في بلده بالقرب من أنصاره ومؤيديه اتفقنا معه أو اختلفنا يبقى حالة مميزة للقائد الذي لا يترك أتباعه وأنصاره.
فهل ستدرك جماهير الشعب الجنوبي لترى كم هو الفارق شاسعا وتتعلم من حركة أنصار الله معنى البقاء مع الشعب وداخل صفوفه ليعطي المعاني الصادقة والحقيقية لمن يتلبس مسمّى القيادة أو الزعامة حتى وان كان غير صادقا .
(صحيفة الأيام العدد 5870 الأحد 16/11/2014)