قال المحضار رحمة الله عليه:
ما خذ الناس بالظن ما خلط القش بالظن
إنما هي مواشي بدو يأتن ويمضن
لا سرَح راعي الماعز ضوَى راعي الضان
المحبة بليّة والهوى مشكلة منك بغَى قلب ميدان
(1)
مازالت النظرة البراغماتية الحائرة، أو قلة الحيلة هي التي تهيمن على موقف وتعامل أبناء وطننا المحتل مع دولة الاحتلال والمرتبطين بها في صنعاء.
وبالرغم من أن وجود دولة في صنعاء يعنينا كثيراً، من حيث أننا نرى الحل في تفاوض ندّي بين ممثلين رسميين عن دولتين، وبإشراف إقليمي ودولي، غير أن تشكيل الحكومة الأخيرة في صنعاء، بالقدر الذي هو شأن داخلي خاص بأشقائنا في العربية اليمنية، إلا أن فيه غبناً للطرفين، ومضيعة لوقت وجهد كان من الأجدر، أن يدّخرا لبناء الدولتين الشقيقتين المتجاورتين بالحسنى، وأمن واستقرار شعبيهما وتنميتهما المستدامة.
شخصياً سعدت بأن تكون الزميلة أروى عبده عثمان مثلاً وزيرة للثقافة في حكومة اليمن الشقيق، تماماً كسعادتي بتولي أي زميل آخر، في أي قطر عربي شقيق، مهمة مشابهة، وهو بها جدير. وكالزميلة أروى، آخرون لديهم طااقات جديدة، لا شك إن وجدت المناخ الملائم، فستضيف إلى التراكم المدني والتحديثي في بلدهم المثخن بالهيمنة التقليدية.
لكنني لم أسعد، بل حزنت كثيراً لوجود زملاء آخرين لا يقلون كفاءة، وكان ينبغي أن أسعد، على الأقل لأنهم من أبناء وطننا المحتل، كالزملاء م.محمد بن نبهان، و م. لطفي باشريف، و م. بدر باسلمة، و م. علوي بافقيه، و د. فؤاد بن الشيخ أبوبكر، و أ.د.خالد باجنيد، واللواء الركن محمود الصبيحي، والآخرين، وقبل أولئك "بلديّاتي" أ. خالد بحاح.
والسؤال هو: ماذا تريدون من أشقائنا في صنعاء؟. دعوهم يرتبون إدارة شؤون حكمهم، فلديهم من الكفاءات النوعية ما يكفي ويزيد، رجالاً ونساءً، وقد نالوا حظوظاً وافرة من التأهيل النوعي بحيث صاروا في غنى عن كفاءاتكم المجاورة أو المستضافة. دعوهم يمثلون بلدهم دون مزاحمة غير أخلاقية منكم. دعوهم يكونوا مكشوفين بلا غطاء، أمام أهلكم في الوطن المحتل، ولا تكونوا أقنعة لهم، مادمتم مجرد كفاءات فنية كما يقال، ولستم سياسيين.
هل يعتقد أحدٌ منكم أنه مستطيع فعل شيء ذي قيمةٍ، سواء لهم أم لوطنكم المحتل؟. من أنتم في صنعاء؟. ومن هو الرئيس الذي أديتم أمامه اليمين الدستورية التي تؤكد على الحفاظ على الوحدة مع المحتل؟. ليس هو ولستم أنتم – مع التقدير الشخصي لكم فرداً فرداً - سوى مغتربين، مقيمين، موظفين كلاً بدرجته، مستخدمين، بحسب حاجة صنعاء السياسية، ولكل منكم مدة صلاحية محدودة، وبعد أن يقضوا منكم وطراً، سيلقون بكم في أقرب مكب كأسلافكم الذين كانوا أسوأ على وطنهم المحتل، مما أردات صنعاء.
هل لديكم مشروع خلاص لبلدكم؟ إن كان لديكم مشروع، فخذوا قوتكم من أبناء وطنكم المحتل، لكي لا تكونوا رؤوساً لمزيّفي الإرادة الوطنية الحرة الرافضة للاحتلال، والاستباحة، والنهب، والقتل، والاضطهاد، وإطالة أمد الاحتلال. إن قوى الاحتلال بدونكم أضعف، وبكم تتقي الضربات المباشرة، فهل أنتم بما أنتم عليه راضون؟. وماذا نسمي رضاكم، إن كنتم راضين، وأنتم راضون فعلاً، لأنكم قبلتم الدور، في حين أن من أهل صنعاء من اعتذر، بشرف!.
أي يمن هذا الذي تتحدثون عنه، وأي دولة هذه التي ستبنونها أو تحمونها من السقوط؟ وأي شعب يمني هذا الذي تريدون النهوض به، ومواطنو شعبكم تحت الاحتلال والقتل والإرهاب، ومنهم مئات الآلاف في الساحات منذ سنوات، ومنهم مئات الآلاف يبتهلون إلى الله بكرةً وأصيلاً، أن يزيل الاحتلال اليوم قبل الغد؟.
أشقاؤنا اليمنيون، لديهم وطنٌ وتنقصهم دولة مدنية، نعم هم الآن في أزمة سياسية، لكنكم لستم طرفاً فيها، فـ"أيش لك في المديني يا مشنّق عيونك" ؟. أنا أحترم الأشقاء اليمنيين لما يمتلكونه من حس وطني، وانتماء حقيقي لوطنهم، بغض النظر عن درجة الفساد السياسي والاجتماعي هناك، فهذا شأن داخلي وهم به أدرى وأخبر . أما أنتم .. من أنتم؟ وأين وطنكم؟.. سيسبغون عليكم، بسخاء معهود، ما تشاؤون من الصفات والألقاب، "حتى تبغروا"، لكنكم في المحصلة الأخيرة، لستم شيئاً في نظرهم إلا بقدر استمراركم في أداء الدور الوظيفي المرسوم لكم، وأهم ما فيه أنكم واجهة سياسية لهم، يخلخلون بها وحدة الموقف السياسي من الاحتلال الجاثم على وطنكم منذ 1994م.
لقد خبرناهم، وخبرتموهم أكثر منا، ونعلم تقييمكم الحقيقي لهم، ولكننا لا ندري أهو دهاءٌ منكم أم ماذا، أن يقبل أيٌّ منكم على نفسه أن يكون مساعداً للأشقاء الألداء المحتلين، للخروج من أزمتهم، ليشتد عودهم، ثم ينظموا قواهم لتجديد الاحتلال وتمديده!. إنهم ليسوا محتلين فحسب، بل عبء على وطنكم، فلماذا هذه (المثالية السياسية) في تقديم الخدمات للمحتل، بدلاً من الاصطفاف مع شعبكم الذي يزداد زخمه ويمتد، ويتصادى معه تضامن شعبي إقليمي ودولي غير مسبوق؟. لماذا كلما اشتد الميدان سخونة وانكشفت ثغرات المحتل، يظهر من ينوب عنه منكم، فيحاول تصفير عدّاد (الوحدة الوطنية) معه، وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه؟
(2)
لا نقلل من كفاءة أيّ منكم المهنية، ولعلنا نفخر بكم فرداً فرداً، فكلكم ذوو قدرات طيبة، ما شاء الله تبارك الله، ومن "ديار زينة"، وأغلبكم أصدقاء على المستوى الشخصي، لكن المنتظر منكم أن تكونوا بمستوى الكفاءة والقدرات، على المستوى الأخلاقي، وأن تثبتوا لنا العكس، ثم أني أشفق عليكم من الإحساس الشيزوفريني المهيمن عليكم، فأنتم ضد الاحتلال والهيمنة اليمنية على وطنكم المحتل، نعلم ذلك جيداً، فكيف تكونون في الوقت نفسه ضمن حكومة الاحتلال، بالرغم من أنكم لم تأتوا بقرارات حزبية حتى يقال مثلاً إنكم مكلّفون بقوة التمثيل الحزبي، فأنتم مستقلون وكفاءات كما هو التوصيف الرسمي اليمني؟.
ثمة خيارات أمام كل منكم، فوزير النفط مثلاً، بدلاً من أن يكون الرجل الأول في الوزارة فيجيز نهب ثروات وطنه المحتل، ليس خطأً أن يبقى موظفاً في اختصاصه - ومستحقاته المالية ليست هينة على أية حال - من دون أن يثقل على نفسه بحمل حقيبة النفط، فيبرر رسمياً نهب ثروات وطنه المحتل. وماوزير النفط في حكومة الاحتلال؟ إنه غطاء حكومي على منظومة النهب المنهجي للثروات، ومخلفات الشركات البترولية الخطرة التي تلوث البيئة وتهلك الحرث والنسل في مناطق الامتيازات ولاسيما في حضرموت، والتفاصيل لم تعد مجهولة؛ ولذلك فمقعد الوزارة حضرمي بالضرورة اليمنية.
وما وزير الدفاع في حكومة الاحتلال أيضاً؟ إنه واجهة للاحتلال وغطاء للقتل والانتهاكات التي يمارسها جنود الاحتلال. ثم ما الذي يقدمه الوزير لشعبه ووطنه تحت الاحتلال؟. وإلى متى تستنزف صنعاء طاقات وطنكم المحتل الطبيعية والبشرية، وأنتم جزء منها؟ وكيف تقبلون؟
إرفعوا عنهم الغطاء لكي لا تشتتوا أو تعلقوا أبناء وطنكم بأوهام الدولة اليمنية الحديثة التي أنتم على يقين من استحالة وجودها في المدى المنظور وغير المنظور. لستم أدهى من دهاة اليمن الشقيق وحنجلاتهم التاريخية العتيدة والتليدة والحديثة والمعاصرة والموصولة بالحداثة وما بعد الحداثة، وإلا فليقل لي واحد ممن استوزروا لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة في صنعاء ماذا وكم قدموا لوطنهم المحتل، وماذا وكم قدموا للاحتلال وعصاباته؟.
صنعاء تسلخ الوطني من وطنيته، وهذا منهجها، وكل من حال عليه حول سياسي في صنعاء، فإنه لا يعود بكامل قواه الوطنية، والأخلاقية، والدينية، والإنسانية، وإن يكن لدى أحدٍ مثال يشذ عن هذه القاعدة، فليدل الناس عليه.
كل ما في الأمر، يا حضرات، هو محاولة لإنقاذ دولة الاحتلال من التلاشي، وترحيل الخلاص الوطني من الاحتلال، كأن من يقبلون بالمناصب في صنعاء لا يرون شعبهم المكدود في الشوارع والمؤسسات والبيوت والمساجد. شعبهم الذي لا يرى بصيص وهم وليس أمل، في أن يكون للآية الكريمة "وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" أي إمكانية للتطبيق في ظل دولة الاحتلال، ورحم الله أ. محمد علي الربادي الذي استشهد بها في مطلع التسعينيات، ثم قضى نحبه بهامة مرفوعة، شخصية وطنية يمنية شقيقة نحترمها كما يحترمها الوطنيون اليمنيون الأشقاء.
(3)
بالمختصر المفيد، ليس من العدل أو الحكمة أن يتم حرق أي كفاءة من كفاءات وطننا المحتل، بالاستيزار في حكومات الاحتلال في صنعاء، وخلاصة الأمر أن وجودهم هناك إنعاش للطفيليات في وطنهم المحتل، وشرعنة للاحتلال، مقابل خديمات مجهرية يقدمونها هنا وهناك، وهي صفر على الشمال إذا ما قيست بنهب وطنهم، واحتلاله، واضطهاد شعبهم الذي لا خيار له، سوى الاستقلال، والسيادة الكاملة على ترابه الوطني بحدود ما قبل 21 مايو 1990م المعترف بها دولياً.
لا تضيعوا مزيداً من الوقت والجهد في هباء صنعاني منثور في فضاء سوريالي. فأهل اليمن الشقيق أكثر قدرة على حل مشاكلهم الوطنية. فقط أخرجوا من لعبتهم السياسية، ففي صنعاء كما في تعز والحديدة وإب وذمار وحجة والمحويت وصعدة ومأرب والبيضاء وريمة كفاءات عالية المستوى، ولسوف تشتغل بعيداً عن ازدواجية الانتماء التي تحملون، وإن يكن لدى البعض هوى صنعاني، فصنعاء التي "حوت كل فن"، لا يزمع أحد في وطنكم المحتل أن يمحوَها من خريطة العالم، ولن يستطيع إن أراد، فلا تخافوا على صنعاء فإن لها رباً يحميها، وشعباً يحبها أكثر منكم، أما وطنكم المحتل فإن هناك روابط ثقافية واجتماعية بينه وبين اليمن السياسي الشقيق وهي كفيلة بأن تقيم أجيالهما الجديدة علاقات جيدة وخالية من حساسية المحتل والواقع عليه الاحتلال، وهذا هو واقع الحال، وما آلت إليه الأمور بفعل الأخطاء والخطايا التراكمية التي مورست، وصار بينهما دمٌ لا سبيل من بعده إلى البقاء في دولة واحدة بأي صيغة من الصيغ المتداولة، فلا تعيقوا صنعاء عن موعدها مع مستقبلها، ولا تعيقوا وطنكم المحتل عن معانقة لحظة الخلاص والانعتاق.
نريد أن نعرف: من أنتم أيها المستوزرون في صنعاء؟. فالذي نعلمه أن شعبكم الذي ينوء بالاحتلال منذ 1994م، لا يعدكم ممثلين له، وربما لا يمثل بعضكم حتى "المطراق" الذي يعيش فيه أهله. فمن أنتم سوى شركاء للاحتلال في إنقاذ نفوذه من التلاشي؟ .. لا تستهينوا بغضبة الشعب، وخذوا العبرة ممن سبقوكم، فمبدأ الكفاءة يطبق على الأشقاء اليمنيين لدى تشكيل حكومتهم الوطنية، أما أنتم فكفاءتكم بمنظور المحتل تعني استجابتكم لتمثيل الدور، وخذلان شعبكم الذي يفترش الأرض ويلتحف السماء، في هذه اللحظة الحساسة والخطيرة والحرجة، من أجل الحرية والكرامة والسيادة، وليس من أجل أن تقدموا كفاءاتكم الاختصاصية لخدمة الاحتلال، الذي يهزأ بشعبكم إذ يقول للعالم: ليس في وطنكم وساحاته سوى مخبولين، وواهمين، فرئيس دولة اليمن ورئيس حكومتها ووزير دفاعها ونفطها، وعدلها، وأوقافها، ونقلها، وأشغالها وطرقاتها، واتصالاتها، وصحتها وسكانها، ومغتربيها، وتجارتها وصناعتها، وزراعتها وريها، وأسماكها، و و و، ليسوا من صنعاء أو من محافظات ما تسمونها بدولة الاحتلال، وإنما هم كفاءات ذلك الشعب الذي يتوهم أنه واقع تحت احتلال افتراضي.
فهل هذا هو دوركم؟ وهل أنتم به راضون؟. كفى استخذاءً، أيها المستوزرون في صنعاء، وكفى استعباطاً أيها المدافعون أو المبررون.
* تنويه : هذا المقال ليس للعقلاء والحكماء والسياسيين الراسخين في الحصافة الوطنية اليمنية.