في أي مجتمع آمن ينعم بالسكينة والمحبة والاستقرار ، ستجد من أنه ومن أهم اسباب استقراره وانسجامه ولحمته هو التعايش والتجانس بين فئات شعبه وطبقاته ومناطقه وأقلياته . فاذا ساد التعايش وترسخ وتوطد تحول الى طباع مَكِينة العامة فيسكن الوعي وتتعوده الشعوب ويفخرون ويتفاخرون به كابر عن كابر .
حينها يصبح الوطن واحة أمان وحب وسلام وارف
وعن ما تعرضوا له اخوتنا الشيعة في الاحساء في يوم الحسينية ، كان مخيفاً وفاجعاً، ودل على انه حصل تدهور كبير في ثقافتنا اضر بصميم تسامحنا وتعايشنا وتحابنا ، وعن اسبابها؟ فعلينا ان نسال من بعثها وكيف استولى علينا وتملكنا هذا الحقد، فرضينا ان نصور هولاء الاخوة بانهم اعداء وخصوم ؟ بل ويستحقون القتل، وهذا انحراف سلوكي رهيب ومرعب و يجب بحثه ودراسته بعمق وتأني، لنأتي على جينته الوراثية ونفندها ونحللها ونحيدها ونعرف كيف نمت وترعرت هذه الجينة ؟ ومن اين بعثت وتسببت لنا كل هذا التشوهات السلوكية المخيفة.
وعن يوم -عاشورا -كنت اشاهد في احد المرات مهرجان في مملكة البحرين في يوم عاشورا عبر -اليوتوب- مع صديقي الكندي، ولقد مهدت لتلك المشاهدات او اللقطات واخبرته انه سيمر بمشاهد مخيفة والناس تجلد ذاتها وبعضهم يجرحون ظهورهم بآلات حادة فتلطخ اجسادهم الدماء بلونها القاني المخيف !
ومهدت إن قلت ان هذا الاحتفالات تعبر عن الحزن وتقريع الذات بل ووخزها وجرحها تذكيرا بالتقصير في مساندة المسلمون لحفيد رسولنا الكريم واستشهاد احد سيدي شباب الجنة الامام الحسين ابن علي رضى الله عنه ، وبعد اعطائه لمحة تاريخية عن حادثة كربلاء بدأ يستعيد توازنه وتفهمه وخصوصا عندما اخبرته ان في الطب من ينصحون بالحجامة وهي اي تلك الدماء النازفة ويقال انها مفيدة طبيا بل ان مظاهر الحزن والتعبير عنها بذلك الشكل حيث تزيح ثقلا هائلا من الكربات عن النفس !.
مرت الاحتفالات وتلك اللقطات، فكان بعد ان انتهى الخبر او -الروبرتاج- المصور كان قد تقبل الامر واعتبر انه يوم تاريخي مشهود، ، وقال لي انا ساكون يوما في مملكة البحرين لاشهد هذا الحدث الكرنفالي المهيب، واستدرك قائلا هو الاروع والأكثر اثارة في حياتي من احتفالات -الهَلوِيّنْ- Halloween في امريكا وكندا، فكان ان قال لي انه سوف يسافر الى -المنامة- لكي ينقل الحدث ويصوره . وسال هل تُعدْ مملكة البحرين لهذه المناسبة العجيبة ، وتساهم في ترتيب هذه الطقوس والاحتفالات فهي سياحية بامتياز! واستدرك وقال ولكنها سياحة مغامرة ,venture وعن سياحة المغامرة فقد صارت اليوم مطلوبة عالميا ويقبل عليها السياح من كل بقاع العالم لانها تشجع على التحمل والصبر وتجربة المخاطر وتجعل الجسم يفرز هرمون -الادرنالين- adrenalin الذي يجعل الجسم مشدودا ومتصلبا كجلمود صخر .
ما اوضحه او نبهني اليه صديقي الكندي ، ان على التجار والدولة ان يجعلوا من يوم عاشورا مناسبة كسب وسياحة وجلب منفعة على اصحاب الاعمال والشباب والطلاب الاستفادة منها في طلب الرزق والسياحة .ويقترح عليهم في هذا المهرجان بيع السلاسل الحديدية وبيع الخادشات وكذلك القطن والمعقمات فضلا عن الوجبات الخفيفة والحلويات والماء والكتب . بل ويمكن بعد حين تطوير الامر وتعديله الى بيع نوع من الالوان الحمراء لصبه على الظهور والاجساد فيصبح المشهد تمثيلي رمزي.لان ملامسة الدماء والجراح الطرية تشكل مخاطر نقل امراض خطيرة منها التهاب الكبد الفيروسي وكذلك بعض الامراض المعدية .
وأقترح على الدول التي تقام بها هذه المهرجانات الدينية ان تحرص على احيائها بل والترويج لها ونشر رجال امنها لحمايتها بل وان تحرص الدولة بالمشاركة الرسمية بابتعاث مندوبين عنهم الى هذه المهرجانات ،وحراسة هذه الاحتفالات ورعايتها وان تحولها الى مهرجانات باذخة و حاشدة للحب والتضامن والتآلف .هنا نعيش، وهنا نتعايش في وطن متنوع الثقافات غني بتسامحه وحبه ومهرجاناته السياحية .