■ المتوكل .. واليمن الي أين !؟

2014-11-04 10:50

 

■ يندر في حياتنا السياسية و الفكرية المعاصرة أن تجد من يختلف معك في الرأي ويحترمك .. او يفرض عليك احترامه ، بل ويندر أن تجد صاحب رأي و رؤية لا يختلف عليه و يحترم من قبل من يخالفه التوجه السياسي و الرؤية الوطنية في عصر حوار الرشاش و المسدس .

□ الدكتور : محمد عبدالملك المتوكل .. المفكر و السياسي ـ الإنسان هو ذلك النادر الذي لا يختلف عليه خصومة و أصدقائه ، فكل من عرفة او حاوره لا يملك إلا احترام هذا السياسي و الأكاديمي بل و المذهبي الملتزم زيديته و نهجها الاجتهادي الذي لم تضف إليه أكاديميته غير المزيد من احترام الآخرين مهما كانت شقة الاختلاف واسعة معهم !؟.

 

عرفت الرجل في ظل أزمة 1993 وكان أول لقاء به في منزل الأخ الحبيب السيد:عبدالرحمن علي الجفري .. رئيس رابطة أبناء اليمن ( رأي ) في صنعاء ، يومها كان السيد :عبدالرحمن الجفري محور تلك الحوارات التي أعقبت انتخابات 93 النيابية في ظل أزمة عودة السيد : علي سالم البيض .. من الولايات المتحدة الى عدن .. وهي العودة التي فجرت الأزمة بين أطراف الشراكة السياسية ـ الثلاثية في مجلس الرئاسة و الحكومة .

 

□□ قدمني إليه السيد : الجفري في ذلك اللقاء الذي جمع نخبة من أهل الرأي و السياسة من مختلف ألوان الطيف اليمني ـ المعارض و المشارك في الحكومة و الى البقية من أولئك الباحثون عن أدوارا سياسية في ظل تعددية سياسية دفعت بالعديد من الأسماء الشخصية و الحزبية الي التداعي لاستغلال أزمة ـ خلافات الرئيس و النائب ـ لتأكيد حضورهم و البحث عن ادوارأ لهم من خلال تصعيد ذلك الخلاف الذي تحول الي أزمة سياسية تواصلت تداعياتها لتفضي الي حرب 1994 .

 

في ذلك اللقاء استرعى انتباهي طرح د. المتوكل ..الهادي و الرزين و المحذر من تبعات هذه الأزمة .. ودعوته الي ضرورة الإسراع في إجراء مصالحة بين الرئيس و النائب و هو الأمر الذي دفعني الي مشاركة المتحاورين و بتشجيع من الأخ السيد : عبدالرحمن الجفري ..للمشاركة بمداخلة تساءلت في نهايتها هل الأزمة سياسية أم أزمة خلاف بين الرئيس و النائب ؟

 

أظنني بمداخلتي الغير متوقعة و كطارئ على تلك النخبة قد أثرت اهتمامهم .. وقدمت نفسي على النحو الذي رغب فيه السيد : عبدالرحمن الجفري .

 

انفض الجمع يومها و كنت أخر المغادرين لأعود الي عدن في اليوم الثاني ، حيث كانت الأزمة تأخذ مسارات و تداعيات مختلفة في اتجاهات التشطير و العودة الي ما قبل مايو 1990 .

 

□□□ في أكتوبر 1993 جاءني اتصال غير متوقع من الدكتور : المتوكل يدعوني الي المشاركة في ندوة " اليمن الي أين في ظل الأزمة الراهنة ؟! " في كلية التجارة بجامعة صنعاء .. التي انعقدت في ظل تدهور خطير في علاقات أطراف الأزمة الي الحد الذي لم يشارك فيها من الجنوب غير السيد : الجفري و انأ القادم من عدن .. هذا أذا ما استثنينا الأستاذ : جار الله عمر .. يرحمه الله ، الذي شخص الأزمة في المواطنة و الشراكة مشددا أن لا مستقبل للوحدة إلا من خلال دورا تضطلع به حضرموت و تعز .. على أن يأتي رئيس الجمهورية من المهرة أو الحديدة دون ذلك سنستمر ندير قضايانا خارج العصر و لن نبني الدولة اليمنية القادرة علي توحيد اليمنيين .

 

عقب د. المتوكل الذي كان يدير الندوة في يومها الثاني .. مطالبا بحل الخلاف بين الرئيس و النائب باعتبارهما قطبي الأزمة و أعطى الكلمة لي قائلا الكلمة الآن للأخ عبدالله باوزير .. و إذا بابن الوزير يسطوا على الميكرفون في ظل اعتراض مناطقي تجلي في موقف احتجاجي للأخ عبدالرحمن الجفري و د. عبده الشريف .. لأتحدث في ظل هذا التوتر المأزوم ذو البعد الجهوي وقد تلخصت كلمتي في قولي انتم هناء في صنعاء .. تتحدثون عن أزمة بين رئيس و نائبه و تحولهما الى أشبه بخيول مخمورة تجر عربة اليمن في عقبة سماره .. الناس في عدن و حضرموت لم يعودوا يناقشوا الأزمة من هذه الزاوية بل يتحدثوا عن الحل في وحدة فدرالية .. واخشي أن استمرت النخب في الإنشداد الي جهوياتها و مناطقياتها أن تكون المطالب بالكنفدرالية ،هنا اعترض القاضي حمود الهتار محتدا بقوة .. ومطالبا بتوضيح كلامي ومتسائلا : من هم الذين يطالبون بذلك في عدن و حضرموت من غير بقايا الهنود و الصومال ؟!

 

الأمر الذي اثأر السيد : الجفري والأستاذ : جار الله عمر .. ودفع بالدكتور المتوكل الي تهدئة الجميع و أخذ استراحة .. شهدت مشادات أكثر من طاولة الندوة.

 

تحدث في إعقاب الاستراحة السيد : عبدالرحمن الجفري .. معقبا على ما حدث و مطالبا بحوار وطني لا لتتجاوز هذه الأزمة بل ولتجاوز موروث من الجهويات و المناطقية الاجتماعية و الجغرافية .. كما اذكر.. وتلك الندوة مسجلة لدى منظميها و ربما جهات أخري .

 

يومها تعرفت أكثر على الدكتور محمد عبدالملك المتوكل .. السياسي و المفكر و الأكاديمي الذي قدم الي عدن في معية الجفري و عمرالجاوي يرحمه الله و أحمد علي كلز وغيرهم ممن أسسوا لأول حوار وطني وسحبوا إليه أطراف الأزمة الثلاثة ـ لتشارك بالسيد : حيدر العطاس و د. عبدا لكريم الإرياني و عبد المجيد الزنداني و تدفع بقيادات حزبية .. مفرخة او اسمية الي المشهد اليمني المأزوم .. ليفضي ذلك الحوار الي وثيقة العهد و الاتفاق التي توصلت الى إعادة صياغة الدولة اليمنية في دولة فدرالية ،لا تختلف عن ما توصل إليه الحوار الوطني وفق المبادرة الخليجية و برعاية الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ممثلة في السفير : جمال بن عمر.. إلا في تسمية الأقاليم بمخاليف .. ليحترق ذلك المشروع في حرب صيف 94 رغم توقيعه في الأردن و تحت إشراف الملك :حسين بن طلال ..يرحمه الله .

 

□□□□ ما أشبه اليوم بالبارحة .. اليوم ينحر مشروع الفدرالية بل الوحدة اليمنية و لم يعد المطلوب كنفدرالية في حدها الأدنى بعد سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين او " أنصار الله " و تمددهم الي الحديدة و مواصلة بسط نفوذهم في المناطق الوسطى .. تمهيدا لامتدادهم الي حضرموت تحت غطاء محاربة القاعدة و أنصار الشريعة . هذا التمدد المدعوم بشكل خفي سياسيا و علني لوجستيا هل كان خلف اغتيال رجل الحوار و العقل: د. محمد عبدالملك المتوكل ؟!

 

□□□□□ أيا كان القاتل .. اغتيال المتوكل هو اغتيالا للحوار بل و الدفع بالأزمة التي تعيشها اليمن نحوا الحرب الطائفية و المناطقية التي لم تكن بهذه الصورة في أكتوبر 93 يوم دعاني د. المتوكل للمشاركة في ندوة " اليمن الي أين في ظل هذه الأزمة ؟!" ليغتال بعد عشرين سنه من حواراته التي انتهجها للتغلب على العنف .. في ظل عنف من نوع اخطر و أشرس من حرب 1994 ولا أظن اليمن قادرا على تجاوزها باتفاقية "السلم و الشراكة " التي تفتق ذهن السفير الأممي : بن عمر عنها لتفتح الأبواب و النوافذ على حرب تدور رحاها اليوم على ارض اليمن .. ليتداخل فيها الطائفي بالمناطقي و يتقاطع الإقليمي مع الخارجي في "لبننه " حذرنا منها مبكرا و كانت محور نقاش مع د. المتوكل ..في أخر لقاء به لعيادته في منزله بصنعاء ، حيث اقر ما ذهبت إليه عام 2012 . ويبقى اليمن الي أين في ظل اغتيال المفكرين ورجال السياسة من حجم د. محمد عبدالملك المتوكل ..يرحمه الله .

 

* عضو المجلس المحلي م .حضرموت .