توقع البعض أن تكون لجنة جمع الأدلة عن معرقلي مخرجات الحوار الوطني - وهي لجنة أممية - قد جاءت لتقصي حقائق الأوضاع في الجنوب، والواقع أن صوت الجنوب ليس بغائب عن أذن المجتمع الدولي، وقد وصل هذا الصوت إلى أذن الجوزاء، فالعالم لم يعد قرية صغيرة بفضل ثورة المعلومات، بل أصبح شقة في عمارة.
وليس الملحّ اليوم إيصال الصوت بقدر ما يكون الملحّ هو كيفية إيصال الصوت.
وليسمح لي إخواني في الحراك وكل القوى الوطنية في الجنوب أن نوضح - دون حساسية - الفرق بين الزخم الثوري الجماهيري الضاغط في الشارع وعلى الأرض وبين تعبيراته السياسية المحترفة التي تستطيع التحاور والتفاوض وإيصال الفكرة التطمينية عن ماهية الدولة القادمة ودورها المنسجم مع التكوينات الإقليمية والدولية وفقاً للشرائع الدولية ومقدرتها على حفظ السلام والأمن في حياضها السيادي بما في ذلك تأمين خط الملاحة الدولية، الشريان الأهم بالنسبة لكل القوى الدولية المؤثرة، وهو ما يتطلب برجماتية سياسية عالية المستوى للتفاوض بشأنه أو إدارته مستقبلاً دون أن نخسر أحداً أو يكسبنا واحداً وفي سبيل مصالح متبادلة مع الجميع.
لقد جمعتنا لقاءات مع بعض الدبلوماسيين والمبعوثين الأجانب ممن يريدون أن يسمعوا صوت الجنوب في السنوات السابقة، وقد سمعنا زملاء لنا من تكوينات حراكية وسياسية يشرحون طويلاً معاناة الجنوب والمراحل التي مرَّ بها قبل الوحدة وبعدها، وذاك أمر لا بأس به حين يكون مركزاً وواضحاً ومدللاً بالحقائق ومختصراً أيضاً، لأن هذه الهيئات الأجنبية وخاصة الغربية تعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا وهي لا تلتفت إلى التاريخ كثيراً إلا أن يكون التاريخ إحدى أدواتها للاستفادة منه في الحاضر والمستقبل. فهذه القوى تريد أن تعرف الغد وشاكلته ومدى مقدرتنا على التعامل مع الوقائع القادمة.
وقد كان بالإمكان أن يجري المؤتمر الصحفي في ساحة الاعتصام مؤخراً بأحسن مما شاهدناه، وهي حالة تعبر عن الحاجة الملحة لاستكمال الوحدة التنظيمية لكل الكيانات السياسية الجنوبية وانبثاق هيئة قيادية قادرة على مخاطبة الداخل ومحاورة الخارج، ووضع برنامج مرحلي لاستكمال المهام القادمة وصولاً إلى استعادة الدولة وتقرير المصير.
ولن يتأتى لنا ذلك إلا بقدر كبير في المسئولية الوطنية التي تجمع الكل الجنوبي دون إقصاء على قاعدة النضال السلمي الذي ينتزع حق الجنوب في تقرير مصيره. فالمهمة جد كبيرة وخطيرة لن تستطيع أن تنجزها العقليات الضيقة التي لاتقبل إلا نفسها والدائرة المقربة فقط، والتي تنظر إلى الجنوب القادم كدولة وكيان إلا بمقياسها الضيق غير اللائق لامن قريب أو بعيد، لا بالجنـوب ولا أهله ولا العصر الذي نحن فيه.
* الأيام