أينما ذهبت وأينما مررت تجد إعلانات المدارس الأهلية تملأ الشوارع وتغطي الكثير من الحوائط وكلها يحمل نفس المعنى بكلمات مختلفة ( نصنع التميز ...أداء متميز... نرعى الإبداع ....الخ) كلها كلمات تعطي مدلول التميز والإبداع الذي سيجده ابنك أو ابنتك في المدرسة الفلانية والذي وطبقا للإعلان يجب أن تلمسه الأسرة في ابنها.
لكن....؟ ما على الواقع نجده مختلفا تماما فعلى طول البلاد وعرضها لن تجد مدرسة تصنع إبداعا حقيقا أو تقدم تميزا فعليا تشترك كل المدارس سواء الحكومية أو الأهلية في تقديم منهج جاف وبطرق تقليدية مملة لم تعد تتماشى مع عصر العلم وتقنية المعلومات الهائلة الفارق الوحيد هي التكاليف التي يدفعها ولي الأمر حين يجرع عشرات الآلاف من الريالات قد تصل للمئات في المدارس الأهلية والنتيجة طالب يحفظ ما تحتويه الكتب في أحسن الأحوال ،النتيجة طالب بعقلية عادية وأدنى من عادية بل إن مدارسنا وبطرق تعليمنا الموجودة تقتل روح الإبداع التي خلقها الله تعالى في الطفل يكفي أنها تخرج طالب لا يستطيع حتى الحديث مع الآخرين وإن تحدث تلعثم وارتبك وكلها مخرجات التعليم القائم على القمع و الانتقاص من شأنه ليس القمع فقط بالضرب بل الكلمات و التعنيف اللفظي تساهم بشكل كبير في إضعاف شخصية الطالب.
نعود لقصة صناعة التميز و الأداء المتميز حين ترفض مدرسة قبول طالب إلا بمعدل فوق التسعين بحجة أنها كما تقول تريد صناعة متميزين فأي تميز هذا الذي ستصنعه وهي تحكم على الطالب بدرجاته التي قد يكون أصلا حصل عليها بالغش أو بشراء ذمة مراقب اللجنة مثلا فهل من التميز والإبداع أن تتعامل مدرسة مع أوراق وأرقام وترفض التعامل مع عقلية طالب قد تحمل في خباياها تميزا وإبداعا قد يفوق قدرات تلك المدرسة التي تدعي الأفضلية؟
ثم إن التميز لو كانوا يعلمون لا يعني فقط ما تحفظ من الكلمات والجمل التي تحشى بها الكتب قد يكون الطالب متميزا في جانب أدبي أو جانب علمي أو إبداع في شيء ما وهنا يأتي دور المدرسة والمعلم الناجح الذي يصنع حتى من الطالب الضعيف دراسيا عقلية مبدعة في جانب قد لا يكون الطالب مدركا هو نفسه لتلك القدرات الجبارة التي يمتلكها فكم من العلماء والمخترعين الذين صنفوا كطلاب فاشلين دراسيا ولكن حقيقة الأمر أن مستواهم العقلي فاق حفظ كتاب أو حل مسألة وقدموا للعالم ابتكارات لا يزال الناس ينعمون بفوائدها حتى يومنا هذا.
حقا إنه لمن المؤسف ونحن في عصر التقدم العلمي وفي ظل مبالغ طائلة تجبى من ولي الأمر ومع ذلك تعجز مدارسنا أن تقدم نماذج حقيقية للطالب المتميز لا أن تعتمد على طالب متميز أصلا وبجهد أسرته أيضا فتأتي المدرسة لتدعي أنها من صنعته لكن بالمنطق كيف نطمح لتعليم بمستوى عال والدولة تمنح تراخيص إنشاء مدارس لمقاولين وسماسرة تعليم ؟؟
كيف نطمح للحصول على طلاب بعقليات وقدرات جبارة تغير مستقبل البلد ليصل لما يستحقه من التقدم والتطور وكل مدرسة تبحث عن المعلم الأقل كلفة ولو كان لا يصلح مربي نعاج المهم اختصار التكاليف ليزداد الربح؟
إننا بحاجة ماسة للتطلع حولنا خارج نطاقنا الجغرافي لنتعلم ماذا يعني التعليم و كيف نصنع التميز بعيدا عن الشعارات والدعايات الإعلانية الكاذبة.
(صحيفة الأيام – العدد 5820 الأحد 14/9/2014)