"السيف أصدق إنباءً من الكتب ** في حده الحد بين الجد واللعب".
أبيات قالها أبو تمام قديما وطبقها أبطال غزة اليوم.. سيف أهل غزة سطّر هدنةً وكتب بقطرات من دماء الشهداء الزكية وثيقة النصر.
تألمنا كثيرا لما تعرضت له غزة من قصف وتدمير من العدو الإسرائيلي، وبكينا بقلوبنا قبل أن تبكي أعيننا ونحن نشاهد أشلاء الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ.. وقفت كلماتنا عاجزة أمام هذا الإجرام الذي يستهدف أرضا بكل من عليها وما عليها وكان عزاؤنا في ذلك أخبار تأتي من هناك بأساطير سطرها المجاهدون في غزة بمجهود ذاتي، وفي ظل حصار خانق.. فقط كان سلاحهم الإيمان بالله وعدالة قضيتهم.
كتب مجاهدو غزة حكاية النصر والعزيمة التي لا تقهرها نذالة إخوانهم العرب وخاصة أهل الجوار الذين بالغوا في العداء وكان خذلانهم وحربهم على أهلهم وبني جلدتهم من الغزاويين الفلسطينيين أشد على النفس من حرب اليهود المعتدين.
لقد أثبت أهل فلسطين (وغزة مثالهم المشرف) أنهم أهل قوة وأولو بأس شديد، تسلحوا بالعلم والمعرفة، وعلموا أن الشعارات والحناجر الممتلئة بالهواء لا تأتي بالنصر ولا تحقق حياة لبني البشر.
لقد علمتنا غزة أن النصر لايأتي بالاستجداء وبالتنازل والجري وراء الخارج.. علموا أن النصر يأتي من الداخل.. أبناء غزة متعلمون وأصحاب شهادات، والكثير منهم يعمل ويطور ما عمله.. أهل غزة حفاظ لكتاب الله، وقوم صدقوا الله فصدقهم الوعد. علمتنا غزة أن الحصار حصار العقل والضمير.. علمتنا غزة أن بناء الإنسان يبني الأوطان، وأن تحرير العقول من الزيف والضعف والخمول هو أول الطريق إلى تحرير الأرض.
علمتنا غزة أن نصدق مقولة (احذر من عدوك مرة، ومن صديقك ألف مرة) حين اكتشفت مكامن الخلل من بعض العملاء الذين باعوا أنفسهم رخيصة للمحتل، فنظفت أعتاب غزة منهم لتضرب بذلك لكل من تسول له نفسه عظة وعبرة، ولنعلم جميعا أن مشكلتنا في أوطاننا هم العملاء أصحاب النفوس الرخيصة.
علمتنا غزة أن القوة مع من لا يحترم العهد ولا يقدر المواثيق هي السلم بعينه وهي الحبر الذي ستخط بها أيادي العدو وثائق الذل والمهانة لها ولمن ساندها.
علمتنا غزة ألا نتوقف كثيرا، ولا نعول أبداً على بعض حكام العرب، فهم العدو وعداؤهم أكبر، لأنهم يتخفون بثوب ناصح، ويتحدثون بصوت مشفق وهم من يقدمون الدعم للمحتل، وهم من فتحوا له الضوء الأخضر ليضرب في أهل فلسطين فقط نكاية منهم بفصيل بعينه، فتباً لهم من حكام عار!!.
غزة اليوم هي المعلم لكل ضعيف.. غزة اليوم هي الكتاب المنظّر في القوة والشجاعة.. غزة اليوم هي الدروس العملية والشرح المبسط لخطوات النصر واستعادة الكرامة.
لو أن مستضعفي الأرض الذين يعانون من الاحتلال أو من ظلم الحكام أخذوا من غزة وصفتها السحرية للعزة والقوة، لو أنهم قرؤوا منهج غزة في صنع الرجال وتحرير العقول وتابعوا قادة غزة وقارنوهم بمن يسمون أنفسهم زعماء لدينا، لعرفوا لم انتصرت غزة وكيف انتصرت؟.
شكرا غزة فقد علمتنا معنى البطولة.. شكرا غزة كسرتِ العدو الذي يرهبوننا بقوته، وأنت دونه عتادا وتسليحا.. شكرا غزة لأنكِ أرغمتِ أنوف حكام العرب المتخاذلين والمتآمرين ومرغتها بالوحل.
وختاما “وما النصر إلا من عند الله”!.
* الأيام