تخيلوا لو أن صور الجنود اليمنيين المذبوحين كانت لمواطنين من غزة قام إسرائيليون بذبحهم وزرق بصورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كلها..
ما الذي سيحصل في اليمن؟ بالتأكيد سنسمع مشايخنا الدينيين وهم على زاعق واحد: يا غارتاه.. هذا حرام.. هذا جرم. وستشهد شوارع المدن الرئيسية في اليمن مسيرات ومظاهرات وجمع تبرعات لإخواننا المذبوحين غزة. لدينا- في هذه المسائل- مبعققين كثر، وقبل يومين شاهدت في قناة يمن شباب تقريراً إخبارياً عن مسيرة حاشدة من أجل غزة، قال عنها المذيع وهو بخالص حماسه الثوري: صنعاء تنتفض من أجل غزة.
حبوبين والله.. صنعاء تنتفض لغزة، والجيش ينتفض نفض في حضرموت، والجماعة ولا بحسهم..
أصلاً هؤلاء الجنود هم مش تبعهم، تبع الناس التانيين.
وفي المنصة التي اجتمع حولها المنتفضون من أجل غزة، كان "الديلمي" وهو مفتي حرب صيف 1994 يقف كأي بطل انتفض من أجل السماء، ولكأن الجنود اليمنيين الذين تم ذبحهم في الجوار مجرد دُمى متحركة، ومشائخنا لا يهدرون طاقاتهم في الهدار الفاضي طبعاً.
لدى "الإصلاحيين" قدرة أكبر من الحوثيين في مسألة الحشد إلى المسيرات، لكن كلاهما متفوق في مسألة تطنيش الدم اليمني، وهو بالنسبة إليهم مجرد وقود لاستمرار معارك المجد التي يخوضها الاثنان ضد أمريكا وإسرائيل في اليمن، باعتبار اليمن هي الأخرى بالنسبة إليهم بلداً مقطوعاً من شجرة .
العيش في الخارج مُريح ونتائجه مشجعة أكثر من العيش في الداخل، حيث لا مقدسات حقيقية يمكن القتال من أجلها..
على أن مواجع غزة عمل مريح ومربح، والهنجمة على أمريكا وإسرائيل من الداخل تشبه المثل القائل "اخبط الوطاف يفهم الحمار." غزة وجع آخر، والداخل مليء بالمواجع، لكن الملاحظ أن الإصلاح والحوثيين ليسا لوحدهم من يعيشون في الخارج ويتشنجون لمواجع الآخرين أكثر مما يتشنجون لمواجع بلادهم، الواضح أن مشاعر كل قادة البلد وكباراتها لم تعد هنا في اليمن.
وحتى الإعلام الرسمي والمحلي يكتفي كعادته بنقل الأخبار، ولا يقوم بدور المحرض للناس ليخرجوا من بيوتهم إلى الشوارع رفضاً لهذه المجازر التي باتت تقدم اليمنيين بوصفهم شعباً بلا ضمير جمعي، لكأن "المرقشي" وجماعته الإرهابية قاموا بذبح تيوس لوليمة لئيمة على شرف الجيش الذبيح.
*صحيفة اليمن اليوم