كما حدث في موريتانيا، رأينا أن المغرب سارت قدماً في انتهاج نمط رشيد من الَّلامركزية في الإدارة والتسيير، فيما أقرَّت بالحقوق الثقافية المتكافئة لمواطنيها العرب والأمازيغ، وخطت خطوات إلى الأمام باتجاه المشاركة والشفافية، وجعلت المسافة بين المؤسسة الملكية والإدارة العامة للدولة بمثابة مسافة تفاعل إيجابي، بدلاً من السير على درب الحاكمية الجامعة بين المرجعية والتسيير، والتي لم تعد قادرة على إنجاز مهام الدولة العصرية المُركَّبة.
وتأتي التجربة التونسية لما بعد العاصفة الزلزالية في المنطقة العربية، فتونس مازالت تقدم النموذج الأفضل في متوالية ما بعد الزلزال، لتتفرَّد بخصوصيتها المُغايرة لحالات أخرى في العالم العربي الخارج من تضاعيف العاصفة.
قديماً كان المشارقة العرب ينتقدون النزعة العقلية عند ابن رشد، ويتهمونه بالتفلْسُف الذي يؤدي إلى الزندقة، لكن أوروبا الرُّشدية اعتبرتْ من أقواله الرائية لمعنى العلاقة بين الحكمة والشريعة، ورأت في تلك الأقوال مقاصد تنتمي إلى عالم الفضيلة، ومن هنا جاء التفسير اللوثري الأول لمعنى الاتصال بين الدين والحياة، وبعد مرور قرون من العهد الرشدي الاستثناء ظل المشرق العربي غنائياً وجدانياً، فيما بقت بذور النزعة العقلية البراغماتية واضحة المعالم في المغرب العربي.
الاجتراحات المغربية الموريتانية تفضي بنا إلى استدراك كُنه المعنى والمبنى الناجمين عن بلدين عربيين بعيدين من المراكز التاريخية المعروفة، ولكنهما قريبان من استحقاقات العصر ودواعيه الناظمة لمجتمع المستقبل الذي لا مفر منه.