لم يدر بخلد احد من ركاب الحافلة العاملين في مستشفى باصهيب بعدن، عندما غادروا مساكنهم في المنطقة الشرقية بمديرية دارسعد صباح امس الاول أن الموت سيتربص بهم على هيئة مجرمين سيعترضون الباص الذي يقلهم، ويفتحون النار على اكثر من 20 عامل نظافة وطباخ، وموظفين عاديين، استقبلوا رصاص القتلة المصحوب بالتكبيرات، وهم يتساءلون: بأي ذنب قتلوا؟!
خلال النزول الى منطقة الشرقية بدارسعد؛ لمقابلة اسر الضحايا، كان علينا الترجل على بعد مئات الامتار، لنخوض في الطين والمجاري الراكدة في الطرقات الضيقة التي تتوسط مساكن الصفيح في الحي الشعبي، الذي يعد من اكثر مناطق محافظة عدن فقرا وتهميشا.
أمس التقت "الأمناء" بعض اسر القتلى، الذين سقطوا خلال هجوم غادر في حي السيلة بالشيخ عثمان، عندما كانوا متوجهين الى اعمالهم، البعض منهم قد تم دفنه عقب الحادث، فيما لا يزال بعض الجرحى مرقدين في مستشفى باصهيب، والمستشفى التابع لأطباء بلا حدود، ونقلت 3 حالات منهم خطيرة الى مستشفى "البريهي" لإجراء عمليات جراحية لهم.. وظل السؤال الذي رافقنا خلال الزيارة: من له مصلحة في استهداف هؤلاء المنكوبين المغلوبين على امرهم؟ وكان لسان حالهم يقول: رضينا بالحال والفقر في هذا البلد المنكوب بأمراء الحروب، وتجار الدماء، لكنهم واصلوا استخدام دمائنا لإشعال حرائقهم، وتصفية حساباتهم!!
احدى المآسي التي رواها لنا اهالي الشرقية، هي قصة مسنة أصيبت في احدى يديها.. تقول ابنتها (حسنة): ان والدتها اصيبت بطلق ناري في يدها ولا ذنب لها سوى انها صعدت الى الباص الذي يقل موظفي باصهيب (تعبيرة) وترقد في المستشفى حاليا.. وتقول ابنتها: إن والدتها تعمل في المستشفى وتعول اسرة كبيرة، وان والدها لا يعمل، متسائلة عن دور السلطة المحلية والدولة في مؤازرة ومواساة اسرتها؟ وغيرها من اسر الضحايا التي يطحنها الفقر، مؤكدة ان احدا لم يتصل بهم من السلطة المحلية بالمحافظة، باستثناء اللواء (الصبيحي)، الذي اتصل بهم وصرف لكل اسرة 50 الف ريال فقط!!
أسرة عامل النظافة (مهدي) لا تزال تنتظر عودته!
غادر مهدي قائد حسن، البالغ من العمر 45 سنة، ويعمل في قسم النظافة بمستشفى باصهيب، منزله كالعادة صباح يوم الحادثة، لكنه لم يعد لأسرته وأطفاله المصدومين بالفاجعة.
تقول نسيم قائد حسن، أخت المتوفى (مهدي): اخي مات وهو رايح شغله، معه ثمانية اولاد والمولود التاسع في بطن امه، متسائلة: من سيقوم بإعالة اسرته؟
وتضيف نسيم بحرقة: هؤلاء جبناء - في اشارة للقتلة - وتقول: كل من كان في الباص هم موظفون عاديون مساكون إيش يشتوا منهم؟ ولا لهم ذنب، إيش من جهاد هذا؟.. القتل ليس من الاسلام.. هل الاسلام يقول قتل الانسان يجوز؟.. لا.. الاسلام حرم قتل النفس، وتضيف: هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام، لا من قريب ولا من بعيد.
وطالبت الدولة بتحمل مسؤوليتها تجاه اسرته، فلدينا احد الاطفال معاق، نحن لا نطالب "فلوس" فقط كل ما نطالبه محاكمة القتلة (القصاص).
"الميت" يعيش حالة نفسية
تتحدث مريم قائد، ام المصاب (علي محمد احمد)، 25 عاما، بحزن وغضب شديدين: ابني (طباخ) تعرفوا إيش كلمة طباخ راح شغله على باب الله، لكنه قتل بدون ذنب!
محمد الملقب والمعروف بمنطقة الشرقية بـ (الميت)، يعاني منذ يوم الحادث من صدمة شديدة عقب الجريمة الارهابية، فالمؤكد ان منظر الدماء، وبشاعة القتل الذي حصل لزملائه العشرين الذين سقطوا جواره بين قتيل وجريح، لن تفارقه ابدا، وهو ما اكده الاطباء في المستشفى لأسرته بأنه يعاني حالة نفسية - بحسب جاره (محمد).
ويقول ابنه: هذا عمل لا يرضي الله ولا رسوله.. اني اطالب فقط بمعالجة ابي، ظروفنا لا تسمح وراتبه 30 الف ريال، ما يكفي مصاريف الاسرة .
"علي" زحف بدمائه إلى حارته ليتم إسعافه
احد شهود العيان الذين التقيناهم، كان محمد نضال، 21 سنة، احد ابناء المنطقة اكد لنا ان احد المصابين يدعى علي محمد عقب الحادث مباشرة زحف بدمائه الى حارته ليتم اسعافه.
يقول محمد: وانا خارج الصباح شفت في الطريق جاري علي محمد وهو مصاب وفوقه الدم واجي للحارة، والدم ينزف من احدى يديه (كتفه)، حاولنا نستدرجه بالكلام ولكنه كان فاقدا للوعي، وحملناه بسرعة على اكتافنا الى مستشفى اطباء بلا حدود.
ويواصل: تم تضميده وإعادته للمنزل، الا انه بقى يتألم بحدة.. فرجعناه للمستشفى، ويؤكد انه لا أحدا من السلطة المحلية او مدير عام المديرية نزل لمعاينة ظروف أسر المتوفين او المصابين.
* عن الأمناء