في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي كانت الانطلاقة الأولى على يد المؤسس محمد علي باشراحيل رحمة الله عليه وكانت الأيام الشمعة المضيئة أنارت الطريق بوعي وإدراك لكل متطلبات المرحلة وكانت تستمد سناءها من ثقافة الشعب في الجنوب وقيمه المتجذرة من حضارته وأصالته فلم تلق بالا للأفكار المستوردة مع كل زاعق وناعق والدخيلة على المجتمع وقيمه ولهذا كانت الأيام منارة إشعاع تؤدي رسالتها للنهوض بالأمة حتى ابتلي الوطن والمواطن بعقلية الفكر الواحد والصوت الواحد وثقافة من لم يكن معي فهو ضدي فكان الإغلاق للحياة جميعا وليس للأيام وحدها وكانت الهجرة للأسرة كغيرها من آلاف الأسر الجنوبية بحثا عن الأمان وبعيدا عن مخاطر العنف الثوري وثقافته السائدة التي لم يسلم منها حتى الكثير من رموزه ( كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله )
في تسعينيات القرن الماضي كانت الانطلاقة الثانية للأيام على يدي فارسيها هشام رحمة الله عليه وتمام أطال الله في عمره وقد حصلت الكثير من المستجدات في عموم الوطن وكان دور الأيام مميزا وخاصة بعد حرب صيف 1994م في التصدي للهجمة الشرسة التي تستهدف الهوية الجنوبية بعد أن تم استهداف الأرض الجنوبية والثروة الجنوبية المادية والبشرية
وكان دور الأيام وصوتها يكاد يكون هو الوحيد في الارتقاء بمستوى الوعي لدى المواطن في الجنوب لإدراك ما يحيط به وما يخطط له وما تنصب له من كمائن تستهدف وجوده في الحياة ولإحقاق الحق كانت الأيام هي مفجرة الثورة السلمية الجنوبية الثانية او ماصطلح على تسميته بالحراك السلمي الجنوبي في الوقت الذي كان بعض المتسلقين يبحث عن مكتسباته مع النظام ، ولهذا استهدفت الأيام وفارسها الراحل هشام وذراعه الأيمن تمام وكافة أفراد أسرتهم في حالهم ومالهم ودفعت الأيام الثمن غاليا بعد استهداف منزل الأسرة في صنعاء ومقر الصحيفة ومنزلهم في عدن بأبشع هجوم بربري أزهقت فيه الأرواح وسالت فيه الدماء واقتيد الفارس ونجله إلى غياهب السجون وهو المريض والكبير في السن والمقام وحوصرت الأيام وأغلقت إجباريا على مدى خمسة أعوام دافعة بذلك ثمن الحرية وقدمت مهرها الغالي ولم تطأطي الأسرة الرأس ولم تنحني إلا لخالقها جلّ في علاه وأعطت للمتنطعين دروسا عملية ليتهم يفهموها ولكن حسبنا بوعي الشعب العظيم وإدراكه الذي يميز الحق من الباطل والغث من السمين ،
وترجّل الفارس وانتقل إلى جوار ربه بعد أن ظل وفيا لمبادئه مضحيا في سبيلها بالغالي والنفيس وحسبه أن حبه قد تغلغل في قلوب الملايين بحق وصدق وحسبه انه ترك فارسا آخر ساعده الأيمن الهمام " تمام " وأبناء بررة سيسيرون على نفس منهجه وما ضحى من أجله .
ومرّت السنين العجاف بعد أن نال الظالمين جزاء ظلمهم حسرة وندامة في الدنيا الفانية يتجرعون مرارتها كل يوم وبعد ذلك مرد العباد جميعا إلى رب العباد وحينها لا تظلم نفس شيئا ولو كان مثقال ذرة .
ورفع الله الغمة بفضل الله أولا وتوفيقه ثم بجهود كثير من الخيرين وعادت الأيام في انطلاقتها الثالثة أكثر إشعاعا وبريقا .
عادت الأيام وعادت معها آمالنا بتوجيه المسار بالكلمة الصادقة والفكر المستنير بعد أن عشنا فترة من التخبط والعشوائية وسؤ الفهم وكثرة الظنون وبعد أن أطلّت ثقافة الإقصاء القديمة بثوبها المتجدد الذي لم يكن إلا أكثر اتساخا وأوسع خروقا .
عادت الأيام والبلاد تعيش في مرحلة مخاض جديدة ومنعطفات متعددة وأنفاق ليس فيها إنارة مضيئة أسوأ من نفق القلوعة الذي انقدحت بداخله فكرة تسليم الجنوب في صفحة ونصف الصفحة تمت كتابتها على عجل تجرعت الأجيال مرارة نتائجها حتى اللحظة الراهنة ، فعودة الأيام ستشكل بدون شك مشاعل إضاءة ستنير بها الطريق لسالكيه .
هنيئا لنا جميعا هذه العودة المباركة للسان حال المستضعفين والمقهورين والتي ستشكل عودتها مرحلة تلاحم واصطفاف لإحقاق الحق ودحر الباطل
( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )