سقطت المؤامرة... وأنتصر الحزب !!

2014-04-22 18:23

   

على مر التاريخ و بامتداد العصور لم يجد المستبدين على اختلاف أماكنهم و مناصبهم من طريقة لاستعباد الناس واسترقاقهم أبسط من التجهيل وملئ عقول العامة بالخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان .

 

وهذه الطريقة الخبيثة بدأها أبو المستبدين و كبير المتجبرين في الأرض ( فرعون ).

 

 حين قال ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ). 

 

وبكل الطرق والوسائل صب التهم على نبي الله موسى ومن معه ونصب لحربهم سحرته و كهنته فقط لأنهم مارسوا الدور التنويري وحاولوا تنظيف عقول الناس مما ران عليها من غبار العبودية لبشر مثلهم .

 

وهذا نفسه ما يمارسه كل فرعون في كل عصر وفي أي مكان حتى يومنا هذا.

 

وقد بليت البلدان العربية بأسوأ الأمثلة في التجهيل المتعمد للشعوب حتى تظل سهلة القياد خاضعة مستكينة تمضي أينما يراد لها و لا تقوم إلا بما يملى عليها .

 

مارس الحكام ذلك مع عامة الشعب ومارسه  أيضا من يدعون لأنفسهم الزعامة والوجاهة  على مستوى القبيلة والمنطقة وكأن استرقاق الناس هوس وجنون سكن كل صاحب رئاسة أو مكانة في الوطن العربي .

 

وليحقق المستبدين أهدافهم الاستبدادية للعامة حاربوا التعليم الذي به تتفتح الأذهان وتعمل العقول وضيقوا على كل صاحب فكر وعقل تنويري فمرة يصفونه بالخروج عن الملة وأخرى يصفونه بالتفسخ عن القيم والعادات للقبيلة والمنطقة والوطن بل ويضعون له من يتسبب في أذيته بشكل مباشر قد تصل حد الإيذاء الجسدي ولو وصل للتصفية النهائية له بالقتل وما أكثر من دفع حياته ثمنا لما يحمله من حب  لتحرير قومه من الخزعبلات التي بها استبدوا ورضوا بأن يظلوا تحت أقدام الفراعنة لعقود وقرون من الزمان .

 

ومما يؤكد فعالية سلاح التجهيل أن العامة من الشعوب نسوا أن بين أيديهم كتاب الله تعالى يخبرهم وبكل وضوح وفي آيات عديدة أن الناس سواسية وأن لا فرق بين البشر إلا بالتقوى وحسن العمل أما اللون والقبيلة والعرق و المال والجاه ما هي إلا عطايا من الله تعالى من أحسن استخدامها نال الخير وحسن الجزاء ومن أساء فقد جر على نفسه العذاب والغضب من الله تعالى عليه إلى يوم الدين .

 

ولو وعى الناس ما في القرآن الكريم و ما جاء على لسان خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم من أحاديث تساوي بين بني آدم كلهم على اختلاف ألسنتهم ومشاربهم وألوانهم وعرقياتهم وأن ما يفرق بينهم فقط هي  (لا اله إلا الله).

لوقفوا لكل من أراد الاستعلاء عليهم لأي سبب كان وتحت أي مبرر لو أدرك الناس أن الله تعالى هو العدل المطلق لم يكونوا ليقبلوا أو ليصدقوا أن الله خلقهم ليستعبدهم نوع من البشر وليكونوا فقط مجرد آلات في أيديهم .

 

ومن أقبح ما مارسه الحكام العرب على الشعوب من (خلال أدواتهم التضليلية من وسائل إعلامية وتعليمية منظرين وسياسيين و كتاب يسبحون بحمد الحاكم ) أن الوطن يتلقى الهزيمة تلو الأخرى ويخرج الشعب إلى الشارع يهتفون بحياة الزعيم و يلهجون باسمه فقد برمجوا عقول الناس أن الزعيم هو الوطن والوطن كله مختزل في تلبية جنون الزعيم في المجد والعظمة

 

الم تحتل إسرائيل سيناء خلال ساعات وبدلا من خروج الناس نقمة على ضياع قطعة غالية من الأرض المصرية وكأنها قدمت لليهود هدية سهلة المنال خرج الناس يهتفون بحياة الحاكم و أشاع كذابي الإعلام أن المستهدف كانت حياة (العبد الخاسر ) لكن الله سلم وفشلت المؤامرة و راحت سيناء فداء لحياة الزعيم ، وهكذا راحت الجولان وغيرها .

 

وبنفس الطريقة المقيتة والأساليب المستهلكة القبيحة ما كان يحدث في الجنوب يقتل الآلاف في الصراعات الداخلية  ويسحل المئات و يسجن و يعتقل الناس فلم يبق بيت لم يدخله الحزن ويسكنه الخوف والمقت للحزب ومع ذلك يخرج لنا ساسة الحزب على منابر الإعلام ((سقطت المؤامرة و انتصر الحزب )) وكأن الآلاف التي تقتل و الوطن الذي يئن لا قيمة له طالما بقي الحزب وقادته.

 

وهكذا كان المخلوع هو الزعيم الملهم والقائد الضرورة وصوروا للشعب اليمني أن لا بقاء لليمن على خارطة العالم إن لم يكن الزعيم هو الحاكم إلى قيام الساعة .

 

ولو بقينا نضع أمثلة لكل بلد عربي لاحتجنا  لكتب ومؤلفات كلها تروي حكايات مؤلمة تدمي القلوب فالوطن العربي بشكل عام ابتلي بحكام يشربون من نفس النهر الملوث بدماء الشعوب معلمهم واحد ووسائلهم متشابهة وأساليبهم واحدة .

 

وهاهو الربيع العربي لم يكد فصله يبدأ ولم يرى الناس خيره بعد حتى عاد الشتاء بشراسة تتساقط ثلوجه حتى دفنت أحلام الطامحين في حياة أفضل و كرامة أهدرت من قرون .

 

تأمل المواطن العربي أن الثورات ستقلب الموازين و بسقوط الصنم الكبير ستسقط منظومات متكاملة من القمع والاستخفاف بالوطن والمواطن وستجعل كل ما سبق تاريخا قديما لكن ما حدث على الواقع الآن عكس ذلك فالمنظومات العاتية التي ضربت بجذورها في أعماق البلاد العربية لن تستسلم بسهولة وهاهي أذرع الحكام المعزولين تتلاعب بالمشهد السياسي والاقتصادي في البلاد المحررة من رأس النظام .

 

فما يعانيه المواطن العربي الآن بعد الثورات صار أشد مما كان يعانيه قبلها ومع أن الفاعل معروف والمسبب ظاهر لكن البعض ممن ألفوا الخنوع ينكرون ويكررون بكل حماقة أن ما يحدث هو جناية الثورة وأن أمن الوطن وحياة المواطن كانت مرهونة ببقاء الحاكم السابق ولقد صدّقهم في ذلك كثير.

 

 وهنا يظهر أن ما زرع في المواطن العربي من المضي مغمض العينين خلف ما يردده له الحاكم وسدنته آتى أكله وما يزال كثير من الناس لا يرون في الحاكم إلا كما قال فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) .

 

بل إن أشد ما غرسته الأنظمة الاستبدادية في عقول الناس أن الحاكم هو المتصرف المطلق في كل شيء وبالتالي فمن حقه أن يكتسب ما يشاء من خيرات البلد وله أن يستبيح ما يشاء ومن يشاء .

 

كل هذه الأمور والكوارث التي بلي بها الوطن العربي لا حل لها يأتي من معجزة أو وصفة سحرية بل تحتاج من أصحاب الفكر المستنير والأقلام الحرة والعقول الرزينة أن تقوم بدورها في توضيح الصورة للناس وأن تجعلهم يعلمون أن الله خلقهم أحرارا فلا حق لإنسان في الاستبداد بهم أو التعامل معهم كسقط من متاع.

 

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يسخر لهذه البلاد من شبابها المستنير وعقلاء رجالها من يحملون على عواتقهم مشاعل الحرية و التنوير.