مجددا حزب العدالة والتنمية الإسلامي يفوز في الانتخابات البلدية في تركيا ذات التوجه العلماني.
حقا إنه شيء لا يستطيع العقل العربي المتعصب أن يدركه أو يستوعبه، فقد ألفنا أن يوجهنا الإعلام ويسوقنا الكذابين ،عندما نتعبد شخص فالطبيعي أن يبقى هو الرئيس والزعيم مدى الحياة مهما جرع الشعب من ويلات و ضرب اقتصاد البلد وباع أرضه و تاجر بقضاياه .
وعندما نستسيغ أن يسخر منا حزب ولو لعقود فيجب أن نظل جميعا نلمع صورته القبيحة ليبدو أكثر جمالا وليستمر في البقاء تخدمه كل مقدرات البلد ونشارك جميعا بوعي أو بدون وعي تضخيم جنون قادته..
ما يحدث في تركيا من تحكيم عالي للوعي ومصلحة الوطن وراحة المواطن لا أدري في أي العقود ممكن يحدث في بلداننا العربية ؟
تركيا أتاتورك أبو العلمانية تختار فقط من لمست فيه مصداقية وحبا للوطن و تغليبا للمصلحة العامة على مصالحه الضيقة إن كان حزبا أو شخصا ممثلا في الرئيس ومن حوله .
تركيا التي عبدت صنم العلمانية والانحلال من الإسلام لعقود طويلة فذاقت ويلات الانقلابات و عانت ظلم اليسار تحت مظلة العلمانية التي اعتبروها خطا أحمرا لا يجوز الخوض فيه أو التفكير بالتحلل من قبضته
تعلن اليوم وليس اليوم بل من عشر سنوات منذ استطاع حزب إسلامي قدم تضحيات جسام في سبيل العودة بتركيا إلى مصاف الدول الكبرى التي تهاب و يحسب لها حساب أعلنت تركيا للعالم أن هنا أحفاد العثمانيين الفاتحين أعلنت انتهاء عهد الحزب الواحد بل انتهىت عهود التظليل انتهت عهود الوصاية على رغبات الوطن والمواطن .
ألا ليت قومي يعلمون أن كل ما ينقله لهم الإعلام الكاذب من تشويه لوجه من يعارض الحزب الواحد هراء ولم يعد يليق بشعوب الألفية الثالثة.
ألا ليت قومي يتيحون الفرصة أمام أحزاب جديدة وأشخاص لم تكن في سدة الحكم من قبل أن يقدموا خيرا لهذا البلد .
لكننا للأسف شعوبا طمسنا على أعيننا بأيدينا فلم نعد نرى إلا ما يرينا كبراءنا و ساداتنا الذين أضلونا السبيل .
نحن شعوبا تحولت إلى ببغاوات لا تفكر قبل أن تنطق بل تردد ما تسمعه من الآخرين حتى لو كانت أقوالا وادعاءات نصبها على الآخرين لا يبررها شيء سوى الحقد والكراهية لما تحمله صدور أصحاب ذلك التوجه من حب للخير و إتباع للحق .
من يقرأ تاريخ تركيا الحديث سيعرف لماذا تقدم الإسلاميون على غيرهم ؟ ولماذا صوت حتى الأكراد لمرشحي الحزب الإسلامي ؟ .
لن أذكر هنا التاريخ بشكل تسلسلي لكن فقط ليعلم الجميع ما جنته العلمانية المتطرفة على تركيا ودورها الإقليمي والأممي فقد فصلتها عن العالم الإسلامي الذي منه تستمد قوتها بل وأدخلتها في صراعات عرقية وحزبية أهليه حتى جعلتها مطمعا للدول الاستعمارية.
حاولت بكل ما أوتيت من قوة فصل الشعب التركي عن دينه الإسلامي ، بكل ما أوتي لها من قوة الترغيب والترهيب متناسية استحالة طمس هويات وأديان الشعوب.
بعد كل حماقات أتراك (الدونمة) الذين اعتلوا كرسي حكم تركيا وجعلوها رئاسية يسيطر عليها العسكر وأذيالهم ،
فليس غريبا ما حققه هؤلاء من فوز ساحق، باعتبارهم غدوا رمزاً للتديّن، ولنظافة اليد، والقرب من الناس، والتفاني في خدمتهم، والدفاع عن الهوية الإسلامية للبلد... إنهم مشروع التواصل مع المجتمع وحاملي مشروع التصالح بين تركيا وهويتها الإسلامية... بين حاضرها وماضيها... بين إسلامها وحركتها الإسلامية من جهة، وبين عصرها وقوميتها وعلمانيتها من جهة أخرى. إنّهم الطموح لمواجهة التحديات الكبرى، التي تواجهها تركيا والعالم الإسلامي، واستجابة لذلك فقد تشكلوا من مزيج مركب بين الإسلام والحداثة... بين الإسلام والديمقراطية.
إن إطلاق قوى ومؤسسات المجتمع المدني، ورفع وصاية الدولة عليها، وتقديم التشجيع لها، من مدارس وجمعيات ومساجد ومؤسسات خيرية ونقابات مهنية ومنظمات شبابية ونسوية، كل ذلك يمكن أن يشكل حماية لهذه التجربة، ورصيداً لتعزيز قوتها واستقرارها ونموها وتأثيراتها الداخلية، وترسيخاً للعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، ورفعاً من المستوى المعيشي للفئات المطحونة، بتجفيف ينابيع الفساد، ودعم التضامن والسلم الأهلي، وتمتين عرى الوحدة الوطنية، بالاعتراف بحقوق الأقليات، وتعزيز سلطة المجتمع المدني، ودولة القانون، وحقوق الإنسان.، ومشاركة المرأة في كل مجالات النهوض.
وعلى الصعيد الخارجي: دعم مسار التضامن العربي التركي، والتركي الإسلامي. والحد من حجم التعاون الإسرائيلي التركي، والتركي الأمريكي، الذي ليس للعرب أن يطالبوا بقطعه، حتى يضربوا المثل الحسن بدل المثل السيىء القائم اليوم.
وهكذا هي الشعوب الحرة التي صبرت كثيرا علها تجد خيرا فلما أتى لها الفكاك لم تتشبث بأحذية العسكر وتستلقي تحت أنقاض الماضي الأسود لهم
وهكذا هم القادة الذين يضعون مصلحة الشعب فوق مصالحهم الشخصية الضيقة.
خاتمة شعرية :
للشاعر احمد مطر
تزدَحِـمُ الأرقـامُ في الجوانِبْ
صـامِتـةً تُراقِـبُ المواكِبْ :
ثانيـةٌ ،َمـرَّ الرّئيسُ المفتـدى .
دقيقَـةٌ، مَـرَّ الأميرُ المُفتَـدى .
و .. ساعَـةٌ، مَـرَّ المليكُ المُفتَـدى .
ويضْـرِبُ الطّبْـلُ على خَطْـوِ ذَوي المراتِبْ .
تُعّبِّرُ الأرقـامُ عـنْ أفكارِهـا
في سِـرّها .
تقولُ : مهمـا اختَلَفَـتْ سيماؤهـمْ
واختَلَفَـتْ أسماؤهـمْ
فَسُـمُّهمْ مُوَحّــدٌ
وكُلُّهـمْ (عقارب) !