الجنوبيون منذ نشأتهم الأولى ولدوا أحرارا صامدون في وجه المحتلين الذين تكالبوا على أرضهم بدءاًً من الاحتلال البرتغالي لمدينة الشحر إلى شقيقه البريطاني الذي دام 129 سنة جاثماً على أرض الجنوب الطاهر في عدن وما حولها ،وصولاً إلى الاحتلال الأخير الذي يعد في نظر الجنوبيين أسواء احتلال تعرضوا له على مر العصور المتعاقبة،وهو احتلال " بن علوان " كما يطلق عليه البعض .
مازال الجنوبيون صامدين في وجه هذا الاحتلال الغاشم بالرغم من كل ممارساته العنصرية والتنكيلية بحقهم والتي تمُارس عليهم منذ حرب عام 1994م إلى هذه اللحظات التي لم تتوقف فيها عمليات القصف على قرى ومنازل ومحال ومساجد ضالع الصمود والعزة والكرامة .
كثيرون هم الذين يتسآلون عن السبب الحقيقي وراء صمود أبناء الجنوب تحت آلة الحرب اليمنية في ظل التعتيم الإعلامي المفروض والتشويه السياسي والقانوني للقضية الجنوبية الذي تتبعه السلطات المحتلة للجنوب لصرف أنظار العالم الخارجي عن هذه القضية وتخويفهم بمستقبل الجنوب حتى لا يقوموا بمد يد العون لهذا الشعب المكلوم .
ربما يكون هذا التسآؤل نابع من الدهشة التي أصابت البعض بسبب رفض أبناء الجنوب لكل المشاريع المعلبة التي يطرحها نظام صنعاء عادة ما لوأد فكرة التحرير والاستقلال التي يحملها كل جنوبي في الداخل والخارج في ظل ما يتعرض له هذا الشعب من جرائم وحشية على أيدي المعتدين صناع الاحتلال .
سر الصمود الذي يتحلى به شعب الجنوب يكمن في أنهم رأوا عين الذئب من نظام صنعاء ،ويقينهم أن هذا النظام وإن تبدلت وتغيرت أقنعته السوداء والحمراء والبيضاء يعاملهم من منطلق واحد ،وبطريقة واحدة اتفق عليها كل المتصارعون في كهوف الجوف وعمران ؛ إن هذه القناعة التي تولدت لدى الجنوبيين لم تكن اعتباطية إطلاقاً ، بل كانت نابعة من الوقائع والأحداث التي عاشها شعب الجنوب طيلة الفترة السابقة،والتي أوضحت له بأن نظام الاحتلال مهما عمل على تحسين وجهه بأدوات تجميل فلن يستطيع أن يغير قناعة الجنوبيين فيه ، فالعبدُ عبداً وإن بلغت أمانيه والكلبُ كلباً وإن طوق بالذهب قالها الشاعر الحضرمي الشهير ابو الطيب المتنبي للملك كافور الأخشيدي .
هناك حقائق كثيرة جعلت أبناء الجنوب يرفضون حتى مجرد لفظ " الوحدة " بعد ما كانوا هم السابقون إليها ، فبعد الوحدة مباشرة راحت القوى المسيطرة في الشمال في تنفيذ مخطط الاغتيال للقيادات الجنوبية مما جعل أبناء الجنوب يدركون أن مسعى هؤلاءِ القوم تآمري بدرجة أساسية وليس شراكي كما يزعمون .
ثم بعد شنهم للحرب على الجنوب في صيف 1994م رفض نظام صنعاء كل المساعي الرامية للسلام وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة لأعتقاد هذا النظام أن أبناء الجنوب قد قبلوا بالأمر الواقع ولا حاجة للخوض في قضية المصالحة .
كما أصر نظام صنعاء وفقاً لما قاله الجنرال علي محسن الأحمر والإعلامي محمد ناصرالبخيتي أصر على أن الجنوب باتة محتلة وعلى ضوء ذلك تعاملت القوى المنتصرة مع الجنوب كمنطقة محتله و تم نهب و مصادرة ممتلكات الكثير من الجنوبيين و تم تدمير اكثر من اربع مائة مؤسسة اقتصادية في الجنوب بشكل ممنهج مما أدى الى حرمان عشرات الاف الجنوبيين من فرص العمل فضلا عن تسريح عشرات الاف الجنود و الضباط من المؤسسة العسكرية و الامنية. كما استحوذ النافذين على ما تبقى من ممتلكات الدولة من بيوت و مزارع و أراضي ، وهو ما يجعل أبناء الجنوب يصرون على مطالبتهم بتحرير الجنوب ورفضهم القاطع لأي خيار آخر.
وكيف ينسى الجنوبيون الحملة العسكرية المشتركة من الفرقة و الحرس و الامن المركزي ضد مجموعة من الجنوبيين وعلى رأسهم المناضل بجاش الاغبري و الشيخ حسن محمد بنان بعد محاولتهما استعادة ارضية احد المواطنين الجنوبيين المغتصبه من قبل احد النافذين الشماليين اسوة بما تفعله بعض قبائل الشمال في استرداد حقوقها،كيف ينسى أبناء الجنوب تلكم الحملة التي خرجت عليهم و تم القاء القبض على عدد منهم و تم ترحيل الاغبري و بنان الى صنعاء بطائرة عسكرية و تم ايداعهم سجن الامن السياسي وترحيلهم في ما بعد إلى مصر التي لا زالوا بها الآن محرومين من أرضهم وأهليهم كما يقول محمد البخيتي في معرض حديه عن الحقائق التي جعلت الجنوبيين يرفضوا الوحدة ويصروا على التحرير والاستقلال .
هذا التصرف يؤكد أن القوى المتنفذة في الشمال تتعامل مع الجنوب أرضاً وإنساناً وبحراً كمنطقة محتلة وليست شريكة في صناعة نظام سياسي أنتهى بحربهم الشهيرة .
كل هذه الأحداث والحقائق وغيرها هي من تقف وراء تمسك الجنوبيين بمطلب التحرير والاستقلال ،كونهم باتوا على يقين تام أن أوضاعهم لن تتحسن ما دام النظام الذي صنعوه وانقلب عليهم موجود على أرضهم بجبروته المستبد .