("بيض الحبل" ، مأخوذ عن عنوان قصيدة للشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي استوحاه من حكاية شعبية عن امرأة فلاح لم تُنجب فمرّ بجوار بيتها بائع متجوّل ينادي : بيض الحبل..بيض الحبل،فاشترت منه بيضات علها تداوي عقمها،ولمّا سلقتها إذا بمناحة في بيت جيرانها ، ذهبت المرأة للعزاء وتركت البيض حتى تعود .
رجع زوجها من الحقل وبحث عن طعام فلم يجد الا البيضات فأكلها ... ظهرت أعراض الحبل على الزوج وتدرجت مراحله وتعددت النصائح لكن "ما في سكه" على قول السودانيين... فلابد من عملية قيصرية).
مخارج مؤتمر الحوار وضماناته وخرائطه معالجاته جاءت متأخرة زمنيا لمعالجة وضع متآكل مأزوم تهيمن عليه منظومة سياسية شمالية موغلة ومتجذرة تتجسّد فيها معاني الغدر والخيانة ديدنها ان تمنع المستقبل أن يتوالد من الماضي ، إن ما يعتمل على الأرض الآن وما اعتمل في منعطفات عملية الحوار يظهر تخادع لأطراف دولية وإقليمية لها أجنداتها الخاصة، والشئ المؤكد انه إذا ما كان للمنظومة دور رئيس في تطبيق مخارج الحوار او حتى المشاركة الرئيسية في التطبيق فإنها ستفرغه من مضمونه لتعيد انتاج نفسها.
تبدو وثيقة حل القضية الجنوبية فيه "بوس لحى " لتلك المنظومة التي مازالت قامات بعضها مرتفعة بحجم الدولة،وهي تاريخيا لم تقبل شريكا وطنيا مهما تكلمت عن الوطنية ولم تقبل شريكا حقيقيا وحدويا مهما تكلمت عن الوحدوية فأخرجت الجنوب بالحرب والتكفير والإلغاء وطمسته في المبادرة، .
كتب الشوكاني عن المواطنة في زمنه وغربة الدين وان الإسلام لم يغيّر حكام الاقيال في صنعاء يقول:(كان سيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كليلا وعضده ضعيفا عليلا ضئيلا فأنهم "أي الحكام" قد ينظرون مع التسمية والتعيين في فاعل المنكر فان كان قويا جليلا يتركونه وان كان ضعيفا حقيرا قاموا إليه وغيروا ما هو عليه وهذا هو غربة الدين العظيمة ) هذه هي " الديمه" ومنظومتها يتوارثونها لم تحقق فيهم المواطنة الإسلامية وهي دين ناهيك عن المواطنة الديمقراطية وهي دنيا ، فكيف تتساوى في منظومتهم مواطنة القبلي ومواطنه الرعوي؟ وكيف تتساوي المواطنة الطائفية والجهوية؟ ، لن يرضوها إلا أن تكون آلية لإعادة إنتاجهم، ففي تاريخ ما بعد الثورة لم تسمح حاشد لشقيقتها بكيل بمنافستها على الوظائف السيادية فكيف ستقبل في ديمقراطيتها إن تتساوى و "بيت الفقية" ،
الوثيقة مهما كانت مسوغاتها ليست حلا عادلا للقضية لانها جاءت والشرخ قد تعمّق بين الشعبين وفي ظل هيمنتهم وهي بالتاكيد موجودة في الجيش والامن والادارة لن تكون لحلها بل لإعادة إنتاجها.
لكن يبدو ان بن عمر جاء يحمل تصورات مسبقة للحلول وتأثيرالقوى لكنه يجهل إنهم تاريخيا كلما تمددوا في الجنوب فان انقسامية الجنوب تهزمهم رغم انها انقسامية لا توحد الجنوب لكنهم في الصراع معها لم يحافظوا على تماسك الشمال ،ان الاحتماء بأساطير مؤسسة للإلحاق والإلغاء التي تخلط الاتجاه الجغرافي بالهوية لم تصمد أمام الإصرار الجنوبي كما إن الغدر والكذب وصنمية الوحدة السياسية اليمنية متهافتة اللهم الا وحدة حد السيف والنهب الذي كانت قانونا امميا لا يؤسس لهوية واحدة بل على قهر هوية الآخر وهو ما طبقوه بعد الحرب .
لكن الجنوب ظل "بيض الحبل لتلك المنظومة " ولم تفلح كل المغالطات والتسويقات في طمس الجنوب وآخر طمس الذي توافقوا عليه والدماء تسيل بينهم في المبادرة .
إن مدخل الوثيقة يؤشر بأنها ليست حلا عادلا للقضية الجنوبية " ...وفيها تلتزم حل القضية الجنوبية حلا عادلا في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي...
إن المنظومة السياسية الشمالية يهمها شرعنة نهبها في الجنوب وكلامها عن ثوابت الدين أو الوطن أو الوحدة أو الهوية أو الديمقراطية مجرد شعارات لتخدير شارعهم .
ان عبارة " دولة موحدة على أساس اتحادي" تعني الحفاظ على مركزيتهم بغض النظر عمن يتولاها أي شرعنة وضع 94م وقد تتصدق ببعض صلاحياتها تكتيكيا وتسترجعها اذا انتفت ظروفها بأساليب الغدر والخيانة وبديمقراطية تنتفي فيها المواطنة يكون الجنوب فيها أقلية ، إن الوثيقة تعني حل القضية الجنوبية عبر تقسيمها اما " فيد"على المحافظات الشمالية او شكل صوري لجنوب مسخ يسيطرون فيه على سلطته وثروته ، فلم يرد في الوثيقة حتى "دولة اتحادية "بين الشمال والجنوب لان البناء الفيدرالي فيها يكون ركن أساسي في بناء الدولة وصلاحيات الأقاليم عضوية ليست صدقة من المركز وبذلك فالوثيقة لم تأت بجديد سوى أنها " ديمه خلفنا بابها" .
رغم ان الوثيقة لصالحهم لم يوقعوا عليها الا بعد تفريغها بخطاب رئاسي" ضمانة للضمانة" وانطبق عليها وصف محمد الفسيل عندما تدخل المصريين في ثورة اليمن فقال: " سلحوا عليها".
مشكلة المنظومة السياسية الشمالية اعتقادها ان إنكارها للجنوب وهويته سيلغيه فلا تريد ان تتعامل الا مع صنفين من الجنوبيين : الأول "الممثل الموازي" وغالبه مفلتر وحتى هذا الممثل الموازي يسحبون عنه ورقة التوت لتعريته ، والصنف الثاني الذي يرضونه من الجنوبيين ان يكون "منظف حمامات سياسية" او "دوشان سياسي " فيوكلون له بأقوال ومواقف تجعله محروقا منبوذا حتى لدى الدائرة الضيقة من أنصاره الجنوبيين .
وفي ظل الوقائع على الأرض سينتج المؤتمر عملية سياسية تشبه عملية " برايمر" عملية سياسية لم يكن الجنوب حاضرا فيها مثلما الانبار لم تكن حاضرة في عملية برايمر التي لم يستوعبها بن عمر وهو كان مندوبا في بغداد!! وسيجد جنوبيين يحملون تنفيذه منهم الصنفين السابقين الى جانب قوى جنوبية سئمت " الممثل بالشعارات " وبالتالي قد ينقل الجنوب الى مربعات خطيرة لن تسمح بنجاح العملية السياسية وستتخلص القوى الشمالية من مشكلتها "بيض الحبل " وستتحول للجنوبيين .
لكي يفشل الجنوبيون مخرجات الحوار ولكي لا تتحول مخرجاته إلى "بيض الحبل " لقوى التحرير والاستقلال ولكي يحافظوا على الجنوب موحدا يجب أن يحللوا المرحلة القادمة بالتحليل السياسي وليس بالتهاب المشاعر وان في الساحة الجنوبية قوى غيرهم مع الجنوب وأنها ليست صراع على الواجهة وان الساحة الجنوبية ساحة صراع سياسي ولم ولن تعد ساحة الممثل الوحيد او قولبة الوطن في الأطر ويتجاوزوا تعدد التفريخ ذي اللون الواحد في الحراك التي لا تستطيع أي منها ان تقدم رؤية تحليلية ومستقبلية وتعرف اين مكاننا في المعادلات الدولية ، ويؤسسوا لتوحيد الحامل السياسي بلون سياسي متعدد ،مقياس التعدد بما يقدمه المكون من رؤية مميزة وليس بما يردده من شعارات، حامل سياسي بأذرعه المتعددة جماهيريا وسياسيا وإعلاميا وقانونيا..الخ وبرؤية تطمئن لها قوى الجنوب القادم لكي لا يتحول التفريخ الى خلل بنيوي في الثورة الجنوبية فيكون عامل حاسم في انتصار مخرجات الحوار فالمؤكد ان الحامل الشعبي الجماهيري هو الذي أوصل القضية الى مستوياتها الحالية وليس الحامل السياسي الذي يعاني ضعفا شديدا او عدم إجماع . فمنظومات الاحتلال مهما اختلفت وتعادت فلها رؤية متحدة ذات أذرع متعددة تجاه الجنوب محليا وإقليميا ودوليا ،
حكمة : كل وحدة مهيأة للانفصال كيفما كانت ، اما وحدتنا فهي منفصلة من يوم قامت ، لأنها قامت على الإلغاء ...
البردوني