المغتربون وثورة النت

2014-01-19 17:01

 

مما لاشك فيه أن إسهامات المغتربين في بناء   الوطن ملموسة سواء بحجم الأموال المحوّلة التي ترفد الاقتصاد الوطني برافد غير منظور للوهلة الأولى أو غير محسوب بأرقام ثابتة ومحددة .

 

لكن من فوائد الغربة أنها فتحت آفاقا واسعة للكثير من المغتربين  لبناء أنفسهم وإضفاء نوع من الرفاهية على أسرهم  والخروج من ضنك العيش الذي عاشه في وطنه لأسباب شتى لسنا في مجال ذكرها هنا ، وقد أصبحت الغربة والاغتراب هدفا ووسيلة لكثير من شعوب الأرض مع اختلاف الأسباب من دولة لأخرى ومن شعب لآخر ،

 

وحتى لا نبتعد بعيدا عن وطننا الحبيب ومجتمعاتنا الريفية على وجه التحديد والتي انطلقت منها قوافل المغتربين إلى أصقاع المعمورة على مر السنين الماضية والتي استطاعت في القرن الماضي أن تكون لها حضورا مميزا في مواطن هجرتها واغترابها وكان معظمهم لا ينسون مسقط الرأس وذكريات الآباء والأجداد فأخذوا يترددون عليه بين الحين والآخر وحسب الفرص المتاحة ،  وكان من فوائد الغربة التنمية الذاتية للفرد نفسه واضحة من حيث بناء السكن والعيش الرغيد والمركب المريح وغير ذلك ، وكان للأثرياء منهم أو بعضهم على وجه الدقة والتحديد دورا مميزا في إنشاء المشاريع الخيرية والخدمية التي ساهمت بالارتقاء في جوانب متعددة من حياة المجتمع بشكل عام ،

 

وقد كان يعاب على كثير من المغتربين عدم الاهتمام بالجوانب السياسية التي تعيشها بلادهم إلا فيما ندر وذلك لأسباب كثيرة منها وأهمها احترامهم لسياسة البلد المضيف وتركيزهم على تحصيل لقمة العيش فما أوصلهم إلى رحلة الاغتراب   إلا ضنك العيش في بلادهم والسياسات البليدة لحكامها ،

 

وكذلك من أسباب عدم الاهتمام عدم توفر وسائل الاتصالات في ذلك الوقت وكذلك غياب الإعلام المرئي والمقرئ  كما هو الآن .

 

ومع ظهور معجزة الانترنت في عالمنا  العربي على وجه التحديد في المنتصف الأخير من تسعينيات القرن الماضي وحتى صارت الخدمة متاحة للكبير والصغير والغني والفقير بدأ الاهتمام بالقضايا الوطنية والسياسية لدى معظم شرائح المغتربين وأصبح تداول المعلومة يسيرا وسهلا وبأقل التكاليف ، وهذه نعمة  من نعم المولى سبحانه وتعالى التي لا تعد ولا تحصى ولله الحمد والمنّة .

 

وقد كانت للمنتديات الحوارية على الشبكة العنكبوتية دورا مميزا في تنمية الوعي السياسي لدى الكثير وفي نفس الوقت أظهرت مدى الضحالة الفكرية والأخلاقية  لدى البعض الآخر ، وكان ابرز موقعين اهتما بالشأن الداخلي حينها على الرغم من كثرة المنتديات والمواقع هما ( ملتقى الحوار العربي والمجلس اليمني ) حيث لقيا اهتماما ومتابعة من كثير من المتابعين في الداخل والخارج وتعرضا للحجب من قبل النظام اليمني أكثر من مره بهدف تغييب الحقيقة عن أنظار المتابعين .

 

ثم جاءت برامج التواصل الاجتماعي من بال توك وفيسبوك و تويتر و واتس اب وغيرها فأصبحت سوقا مفتوحا لكل شي سواء صالحا أو طالحا وازداد عدد المتابعين والمشاركين وخاصة بعد ظهور الهواتف الذكية التي تجعلك مرتبطا بالعالم كله في كل مكان وزمان وحتى وأنت مستلق على فراش نومك تلاحقك الأحداث أولا بأول .

 

وفي هذا الجانب تميز الكثير وظهرت كثير من النوابغ الفكرية والسياسية ما كانت لتظهر لولا ثورة النت العجيبة . وفي الوقت ذاته ظهرت كثير من السلبيات في هذا الجانب تحديدا وعلى مسار الواقع الداخلي وأزماته في البلد بحيث أصبح كل من كتب كلمتين أو غرد تغريدتين أصبح مناضلا من الطراز الجديد لا يشق له غبار ويجب أن ينصاع الكل لرأيه وفكره أن كان عنده فكر وأنه هو الصواب وغيره الخطأ،  وظهرت بشكل سلبي أيضا أنواع من التكتلات ولها من المشجعين كمشجعي الأندية الرياضية في زمن التعصب الرياضي الأعمى .

ولهذا يجب على الجميع وقد تحققت لنا هذه الإمكانيات أن نعمل جميعا في إثراء الوعي  برفع الحس القيمي والأخلاقي الذي نستمده من ديننا الحنيف وأصالتنا التي ينبغي أن لا نحيد عنها بحال من الأحوال ونركز جميعا على ما يجمعنا ويوحد كلمتنا بدلا من المساهمة في تأجيج ثقافة الإقصاء والتهميش والتخوين التي أوصلتنا والوطن إلى ما وصلنا إليه ولن نستعيد بهذه الثقافة حريتنا ولن نبني بها وطننا المنشود ولن نصنع بها مستقبلا زاهرا لأجيالنا القادمة .

 

فهل ندرك جميعا ما قاله أئمتنا العظام   أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب

أرجو ذلك .

خاتمة شعرية:

للشاعر احمد مطر

نحن في أوطاننا صرنا سبايا

و مطايا للمطايا

و عراة في العراء

و جياعا فقراء

غير أنا

ننزف الثورة و الزاد لأصحاب الحوايا

و لأصحاب الثراء

و كفاهم رحمة

أن يتركوا من دمنا فينا .. بقايا

و كفاهم كرما

أن يمنحونا الذل مجانا

و أن يحتسبوا القهر عطايا

و كفاهم رقة

أن يمنحونا حق تقرير البكاء

و كفانا عزة في ظلهم

أنا تقدمنا كثيرا ... للوراء