يؤسفني ويزعجني كثيرا حين أمر في أي شارع من مدن الجنوب فأجد صورة مصغرة عن صنعاء وأسواقها المليئة بالعلف الخبيث المسمى بالقات ،
تلك النبتة التي تسرق المال والصحة والعمر بل ولا أبالغ إن قلت أنها عدو للنجاح والتميز لمن أدمن عليها وخاصة في أوساط الشباب.
الم يكن الأحرى بشبابنا أن يقضوا فترات العصر والمساء فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والخير؟
ألا يجد أولئك الذين استعبدتهم نبتة مريرة الطعم مجالا آخر يضعون فيه أموالهم التي أجزم أن كثيرا منهم لا يجد حتى قيمتها بل يستدين حتى يملأ فمه بعشبة تجعله أشبه ب(........ ) حين تأكل العلف وشتان بين المثالين فتلك مخلوقات تأكل العشب لأنه غذاؤها وبه تعيش لكن بني البشر يأكلون ما يجعل أشكالهم مقززة وعقولهم خاملة وجيوبهم خالية..
وكم هي الكارثة أكبر حين يقال لك فلان وضعه المادي صعب ويحتاج من يمد له يد المساعدة وحين يأتي وقت القات يخرج قيمته من الصخر أليس أولاده وبيته أحق بأن يستخرج ذلك المال ليصرفه عليهم؟؟
ما هو دور وسائل الإعلام في تسليط الأضواء بشكل كبير على هذه المشكلة وتقديم حلول للأسرة التي تعاني من مدمن للقات سواء من الأب حتى الأولاد ؟؟
لماذا لا يتم مثلا حملات توعية مكثفة تنزل الشارع لتخاطب الناس مباشرة ؟؟
لما لا يتكاتف الإعلام و التعليم في القضاء على هذه الآفة التي تفتك بالناس وهم لا يشعرون ؟
لو تقدم الناشطون ومجالس الحراك ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة بإقامة مشاريع مكتبات عامة تقدم خدمات بسيطة لمن يريد أن يرتادها بحيث تكون القراءة مجانية وحولها بعض الخدمات القليلة التكاليف حتى مجانية لتشجيع الناس على القراءة والإبداع والاختراع ،
أيضا يمكن رصد جوائز لشباب تركوا القات وتحدوا رغباتهم القوية فيه فغلبوا إدمانهم وبث ذلك عبر الوسائل الإعلامية المختلفة والمواقع الالكترونية ليقتدي بهم الباقين .
وأنا في أحاديثي أركز على الشباب لأنهم الدماء الجديدة التي يعول عليها أن تمد وطننا الحبيب بالحياة وهم العقول الراشدة التي من واجبنا جميعا مد الأيادي إليهم لنصل بهم لمصاف شباب العالم المتقدم لا أن نجعلهم يتشربون منا اليأس والإحباط وعبادة أصنام الماضي بل ونظلمهم بتركهم يدمنون شجرة تقضي على إنتاجيتهم فعدا عن المال المهدر الذي يمكن أن يقيم صاحبه به مشروعا صغيرا قد يتطور ليصبح مشاريع عملاقة فهي تجمد الفكر وإلا ما موقع تلك الساعات التي تهدر وهم يسبحون في عوالم الولعة والهيام والخروج عن الجاهزية الفكرية ، أليست تلك الساعات كفيلة بأن يفكر احدهم فيخترع شيئا أو يكتب ما يمكن أن يفيد أو يتعلم أحدهم جديدا؟؟
كل ما يدور في بالي الآن أن هناك حقا من يسعى لأن يكون شباب اليوم نسخة أسوأ حتى من صورة أبائهم وأجدادهم في التخاذل والقبول بالضيم بل والتصفيق له ؟؟
ماذا تبقى لأبنائنا يمكن أن نعول عليه في صقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم ، ومهاراتهم؟ ليس هؤلاء الشباب الذين يركن عليهم في قادم الأيام لتسيير البلاد نحو التقدم والرفاهية ...فالتعليم عندنا لا يمكن بحال اعتبار مخرجاته ذات أهمية ماعدا أشخاص فقط يستطيعون القراءة والكتابة بأردى ما يمكن... وأكملناها عليهم بنصف أيام الأسبوع أجازات وفعاليات كان يجب أن يكون الطلاب بمنأى عنها لأن دورهم المرتقب يحتاج أن يحصلوا على تعليم نوعي لا أن نخرجهم للشارع وكبار القوم في صياصيهم..
أعود وأكرر القات كارثة مالية صحية سلوكية مجتمعية يجب أن تحارب على كل المستويات ابتدأ من الدولة مرورا بأولياء الأمور وصولا للشخص الذي يجب أن يلقى هذه الآفة ويلتفت لمستقبل انصع بعيدا عن مخلفات الأحمر والأبيض والأخضر
يجب أن يصدر قرارا سياسيا بحق القات يمنع من دخول المناطق الجنوبية واعتبار من يدخله البلد أو يتعاطاه ويبيعه مثله مثل تجارة وتعاطي المخدرات .
لما لا تكون لنا في دول الجوار أسوة في هذا الأمر ولو تكاتفت الجهود مابين سياسية و إعلامية وفي المدارس والجامعات أعتقد ما هي إلا سنوات قليلة وقد اجتث هذا المرض الذي صار يهدد الآف الشباب بل يتعداه للنساء وهذا مالا يقبل بحال..
نطالب ونسعى لتحرير الجنوب ونحن أسرى لهذه النبتة الخبيثة التي تستنزف من أموالنا وأموال أجيالنا القادمة ميئات الملايين يوميا تصب جميعها إلى خزائن وجيوب رموز الاحتلال اليمني. ألا يكفيهم حقول النفط وأراضينا ألا تكفيهم شركات الاصطياد البحري التي لم تبقي حتى على مراعي الأسماك والأحياء البحرية إلا يكفيهم استئثارهم بكل الوكالات التجارية ؟ !
وفوق كل هذا بأيدينا نسلمهم ما تبقى من ادخاراتنا ثمنا لهذه النبتة الخبيثة ! بأي منطق تساعد من يحتل أرضك وينهب ثروتك أن تتيح له الفرصة الأخيرة لاستنزاف ما تبقى من أموالك ويجعلك باستمرار أسيرا للوهن والهوان والضعف الم تستشعر يوما أن هذا ما هو إلا مخططا يستهدفك رسموا خيوطه ومساراته بإتقان شديد ليحكموا سيطرتهم عليك وعلى أرضك .
ولن استرسل في سرد قصص مؤلمة جدا تحدث عنها المتحدثون مما وصل إليه مدمني القات من حال مرير
لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ألا نرتقي بأنفسنا قليلا
وأوجه كلامي لمن جعل نفسه في مصاف القيادات النضالية وهو لا ينام إلا قبيل الفجر ولا يصحو إلا قبيل الظهر ومباشرة على سوق القات ويدخل في دوامته وصومعته ولوكندته كل يوم وهكذا دواليك و (ثوره ثوره يا جنوب ) فتحية لكل شاب سار بمشروعه بخطى واثقة على طريق النجاح بعيدا عن القات ومجالسه ومستلزماته و"عدن الغد" وناشرها مثالا يحتذى .
خاتمة شعرية :
لعلامة الجنوب الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله
إن رمت أن تعرف آفة الآفات فانظر إلى إدمان مضغ القات
القات قتل للمواهب والقوى ومولّد للهم والحسرات
ما القات إلا فكرة مسمومة ترمي النفوس بأبشع النكبات
ينساب في الأحشاء داء فاتكا ويعرّض الأعصاب للصدمات
يذر العقول تتيه في أوهامها ويذيقها كاس الشقاء العاتي
ويميت في روح الشباب طموحه ويذيب كل عزيمة وثبات
يغتال عمر المرء مع أمواله ويريه ألوانا من النقمات
هو للإرادة والفتوة قاتل هو ماحق للأوجه النضرات
فإذا نظرت إلى وجوه هواته أبصرت فيهم صفرة الأموات