في اليمن كل شيء وارد حدوثه وإن لم يكن معقول ،فلا يوجد أمراً مستحيل أو غريب على الإطلاق في الوسط السياسي اليمني على وجه الخصوص ؛فربما ترى بعض السياسيين اليمنيين يتركون معترك السياسة ويتجهون صوب الرياضة بكل سذاجة ! ومن المعقول جداً أن ترى قادة عصابات ومليشيات مسلحة يضعون أسلحتهم فوق رؤوسهم ويحيدون إلى طاولة الحوار ، وقد تشاهد رئيس لحزب معين يصعد سلم الترقيات فيصبح زعيماً لتنظيم القاعدة المصنوع محلياً مثل الراديو التايوانية التي تحاكي الراديو الياباني الأصلي ، بعد ما كان رئيساً لدولة وحزب سياسي !
هكذا هي الحياة في اليمن لا ترضخ لقاعدة المستحيل على الإطلاق ؛ وإنما تحاول وبكل بسالة أن تكسر كل القواعد والأرقام القياسية في التقلب السياسي والازدواجية المزاجية التي استفحل أمرها في كل أرجاء اليمن السياسي .
كنا دائماً ومازلنا نسمع عن مصطلح زعيم يطلق وبكل تبجح وفخر على المخلوع علي صالح من قبل أنصاره وأتباعه الذين ما زالوا يوالونه موالاة متشددة متطرفة لا تقبل الوسطية .
" الزعيم " هذه الكلمة التي أثارت جدلاَ بيزنطياً ولغطاً واسعاً في الأوساط اليمنية المختلفة حول رمزيتها وما ترميه إليه على المستوى الإداري والسياسي .
إن أشهر من لقب بالزعيم في الآونة الأخيرة في الوسائل الإعلامية المختلفة هو الشيخ أسامة بن لادن عليه رحمة الله ،إذ أنه كان يتزعم جماعة تنظيم القاعدة التي تأسست عام 1998م من فوق جبال طورا بورا الأفغانية .
ولم يكن الشيخ أسامة زعيماً لحزب سياسي ، بل كان زعيم لحركة جهادية تهدف للذود عن حمى الأمة الإسلامية بصرف النظر عن الأخطاء التي ارتكبتها هذه الجماعة إذ أننا لسنا بصدد تقييم أعمال هذه الجماعة وفرز عملياتها الإيجابية والسلبية .
وكما قلت في السابق لا يوجد في اليمن شيء مستحيل ،ولا أدل على قولي هذا من الحال التي صار فيها علي صالح بعدما خُلِعَ من السلطة ، حيث تحول من رئيس لدولة إلى زعيم لتنظيم القاعدة في اليمن كما يتهمه خصومة بذلك ،مدللين بتلكم العمليات المسلحة المخربة التي استهدفت أبراج الكهرباء وأنابيب النفط في مأرب ،والهجوم المسلح الذي راح ضحيته مئات الجنود بين قتيل وجريح في ميدان السبعين ،ومهاجمة المعسكرات في شبوة وسيؤن و المكلا والتي كان آخرها عملية اقتحام مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية بخلف والتي راح ضحيتها العشرات.
ناهيكم عن محاولات الاغتيال التي تعرض لها كبار المسئولين في الدولة وعلى رأسهم الرئيس عبد ربه منصور ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة ووزير الدفاع اليمني الموالي لعبد ربه منصور .
فضلاً عن عمليات الاغتيال التي وقعت للكثير من الضباط والقادة العسكريين لا سيما من أبناء الجنوب ، حيث وجهت بعض جهات حكومية أصابع الاتهام تجاه زعيم تنظيم القاعدة في اليمن المخلوع علي صالح ، متهمةً إياه بالوقوف وراء كل هذه العمليات الكيدية التخريبية التي تأتي بهدف بث القلاقل وزرع الاضطراب في ربوع اليمن ،وتعكير صفو العملية السياسية التي أتفق عليها أقطاب الأزمة اليمنية من خلال المبادرة الخليجية ،والتي لم ترق للزعيم صالح بتاتاً كما علمنا من خلال مماطلته في التوقيع على هذه المبادرة التي تضمنت حصانة قانونية وقضائية له وللعديد من أتباعه .
إن من يتابع الشأن اليمني يدرك تماماً بأن القاعدة في اليمن ليست سوى عبارة عن شماعة مصنوعة محلياً من قبل الزعيم المخلوع لأغراض سياسية بحتة ، حيث يتم استخدامها للضغط على أطراف معينة في البلاد ، وكذلك لإرسال رسائل عديدة للخارج مفادها بأن من يحاول المساس بالزعيم وأتباعه فإن القاعدة سوف تسطو على الساحة اليمنية ،وذلك لأن هذا الزعيم هو الذي يكافحها ويحاربها ، ولا يوجد بديل سواء القاعدة في حال ذهاب هذا الزعيم وتركه البلاد .
هذه السياسية هي نفسها التي أنتهجها الكثير من الدكتاتورين ، حيث يضعوا شعوبهم بين القبول بهم أو التهديد بالفوضى والخراب والدمار الشمال الذي سيجتاح البلاد عند مغادرتهم السلطة .
أكتب هذه الكلمات ويخطر في بالي مدى جدية تلك التهديدات التي أطلقها المخلوع صالح أبان قيام الاحتجاجات الشعبية في اليمن عام 2011م والتي كنا نعتقد حينها بأنها لا تعدو عن كونها تهديدات جوفاء يراد من خلالها تخويف الناس من المستقبل المجهول، حيث أعلن الزعيم المخلوع بأن اليمن ستحل بها الصوملة المشددة والأفغنة الحادة ، وأن هناك حرباً شعواء لا هوادة فيها ستكون من طاقة ( نافذة ) إلى طاقة ( نافذة )، على وزن من ( زنقة ) إلى ( زنقة ) الشهيرة التي أطلقها القذافي خلال إعلانه الحرب على شعبه ! وبالفعل كانت تهديدات القذافي صادقة كما هي تهديدات الزعيم المخلوع اليوم والتي نشاهدها بأم أعيننا تطبق على أرض الواقع بكل حذافيرها ونغماتها الحادة والعريضة .