شبوة برس – خاص: علي بالعبيد
في مسيرة الشعوب، لا تبرز القيادات الحقيقية إلا في اللحظات المفصلية، حين تختبر الإرادة وتُفرز المواقف، ويُعرف الرجال بثباتهم قبل أقوالهم. وفي تاريخ الجنوب المعاصر، يبرز اسم القائد أبو القاسم عيدروس الزبيدي بوصفه أحد أولئك القادة الذين ستتداول الأجيال سيرتهم وتحكي حكايتهم باعتبارهم فرسان مرحلة صنعت التحول وعبرت عن وجدان شعب لا يرضى بالذل ولا يقبل بالانكسار.
لقد مثل عيدروس الزبيدي نموذج القائد الذي خرج من رحم المعاناة، وتشكّل وعيه في ميادين النضال لا في قاعات التنظير، قائد لا يعرف الخوف وفارس لا يهاب المخاطر. صاغته أوجاع شعبه وصموده، وغرس في قلبه حب الحرية والكرامة.
فارس شجاع في الميدان، وسياسي حاضر الذهن في لحظات التعقيد، جمع بين وضوح الهدف وصلابة الموقف وبين القدرة على قراءة الواقع والتعامل مع توازناته دون التفريط بالثوابت الوطنية. في كل خطوة يخطوها، وفي كل كلمة ينطق بها، كان يعكس صوت مليون قلب جنوبي يرفض الخنوع ويطالب بالاستقلال.
لم يكن حضوره طارئاً، ولا صعوده نتاج ظرف عابر، بل جاء نتيجة مسار طويل من الالتزام بقضية الجنوب والدفاع عن حق شعبه في الكرامة وتقرير المصير. في أحلك الظروف ظل ثابتاً على موقفه، مدركاً أن القيادة ليست شعارات تُرفع، بل مسؤولية تُحمل، وتضحيات تُقدّم، وقرارات تُتخذ في أوقات قد يختار فيها الآخرون التراجع والسكوت.
ويحسب له كثيرون قدرته على مخاطبة الشارع الجنوبي بلغته، وفهم تطلعاته، واستيعاب تنوعه مع الحفاظ على جوهر القضية الجامعة، جامعاً بين القلوب والعقول، ومذكّراً الجميع بأن النصر ليس حكراً على الأقوياء، بل على من يملك إرادة لا تلين.
لقد كان حريصاً على أن تبقى البوصلة موجهة نحو الهدف الوطني، وألا تنحرف المسيرة تحت ضغط المصالح أو الإملاءات، وأن يبقى شعار الحرية والاستقلال هو نبض كل قرار وكل حركة.
إن سيرة أبو القاسم عيدروس الزبيدي ليست مجرد سرد لأحداث أو مواقف، بل تجربة قيادة في زمن الاضطراب وتجسيد لمعنى الإصرار حين تتكاثر التحديات، رمز لشجاعة شعب لا يساوم على حقوقه، وصرح إرادة جنوبيّة لا تنحني إلا أمام التاريخ.
الأجيال القادمة حين تعود إلى هذه المرحلة ستجد في اسمه قصة فارس شجاع وقائد ارتبط اسمه بإرادة شعب، وسعى لأن يكون على قدر أمانة التاريخ وثقة الجنوب، شاهداً على أن الحرية والكرامة لا تُمنح بل تُنتزع بإرادة الرجال المخلصين وشعب يرفض الاستسلام.