*- شبوة برس - د. حسين لقور بن عيدان
يحاول عبد الملك المخلافي في مقاله عن تحرير المجلس الانتقالي الجنوبي لوادي حضرموت والمهرة أن يقدّم الجنوب كطرف يستغل فراغ الدولة (التي لم تعرفها صنعاء) في اليمن، متجاهلًا حقيقة أن هذا الفراغ لم يصنعه الجنوبيون، بل صنعته النخب التي كان هو جزءًا منها حين سقطت صنعاء بيد جماعة سلالية وطائفية مرتبطة بإيران وتحولت مؤسسات النظام اليمني إلى غنيمة بين المليشيا والسلاح.
مشروع الجنوب الجديد لم يولد من فراغ، بل من تاريخ دولة كانت عضوًا مستقلًا في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية قبل 1990، كانت قائمة على أرض الجنوب العربي، ثم دخلت في مشروع وحدة طوعية مع اليمن في 22 مايو 1990 وفشل هذا المشروع من السنة الأولى لأن من استقوى على مشروع الوحدة لم يحترم عقد الشراكة، بل جرى الانقلاب على مضمونها بحرب 1994 التي انتهت باجتياح الجنوب عسكريًا، وتدمير مؤسساته وتسريح أبنائه من وظائفهم وحل جيشه ونهب موارده وفرض نظام غلبة لا نظام وحدة.
حين يتحدث المخلافي عن القانون الدولي، يتجاهل أن هذا القانون ذاته يقوم على مبدأ تقرير المصير للشعوب، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بموجب قرار الأمم المتحدة 2200 ألف (د_21) الصادر في 16 ديسمبر 1966، حيث يُقر بحق الشعوب في اختيار مركزها السياسي والسعي لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية بحرية.
في حالة الجنوب، نحن أمام شعب دخل في مشروع وحدة تعاقدية ثم تعرض للإقصاء والضم بالقوة؛ وهذا يفتح الباب لممارسة حق تقرير المصير الخارجي عندما تستنفد كل إمكانات الإصلاح من داخل مشروع الدولة الواحدة.
المقارنة التي يسوقها مع كردستان أو كتالونيا أو صوماليلاند مضلِّلة؛ فالجنوب ليس إقليمًا داخل دولة تاريخية موحدة، بل دولة سابقة موثّقة الحدود والعضوية الدولية، واتحاده مع اليمن لم يكن إلغاءً لوجوده كشعب بل لتنظيم هذا الوجود في إطار دولة جديدة.
وعندما تُنسف أسس الشراكة بالحرب والاحتلال، تعود مسألة الوضع القانوني للجنوب إلى جدول البحث الدولي بوصفها قضية دولة سابقة تم تقويض وحدتها مع شريكها لا مجرد نزعة انفصالية عابرة.
أما الحديث عن أن الجنوب غير متفق على صيغة دولته، فهو توظيف سياسي لا أكثر. نعم، هناك تباينات على الوسيلة وليس على الهدف، بين حضرموت والمهرة وشبوة وعدن وسقطرى، لكنها تباينات داخل مشروع واحد يرفض العودة لحكم صنعاء ويطالب بضمانات دستورية لعدم تكرار مركزية الدولة في الجنوب، هذا التنوع لا ينفي الحق (وإلا ينفي حتى مشروع الدولة من أساسه مع صنعاء نظرا للصراعات الطائفية والعرقية والقبلية)، بل يفرض على النخبة الجنوبية صياغة عقد اتحادي داخل الدولة الجنوبية نفسها، بدلًا من ارتهان كل هذه المكونات لمركز متهالك في صنعاء.
الوحدة التي يدافع عنها المخلافي لم تعد قائمة فعليًا، اليمن اليوم تحت سلطة أمر واقع حوثية، والشرعية المشردة التي يتحدث باسمها لا تملك أرضًا تحكمها في موطنها الأصلي.
المطالبة من الجنوب بالانتظار حتى استعادة الدولة اليمنية ليست موقفًا قانونيًا بل مطالبة سياسية بأن يظل الجنوب رهينة لصراعات اليمنيين الطائفية والسياسية والقبلية لا يملك قراره فيه من منظور جنوبي وطني وقانوني.
السؤال لم يعد: هل يسمح الفراغ في اليمن بقيام دولة في الجنوب؟ بل: هل يملك اليمن المنهار أخلاقيًا وقانونيًا حقّ منع شعب الجنوب من استعادة دولته وممارسة حقه في تقرير مصيره؟ الإجابة الواضحة: لا، لا سياسيًا ولا قانونيًا ولا واقعيًا.
*- شبوة برس – الأيام
#دوله_الجنوب_العربي