حجر الزنداني وحل الدولتين.. بين الواقع والأمل

2025-11-08 06:39

 

يستحق وزير الخارجية شائع الزنداني التحية بدل الشجب، لأنه ألقى حجرًا مفيدًا في بحيرة الأداء السياسي الراكدة لشركاء سلطة الشرعية، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي.

 

الوزير الزنداني أقرب إلى شخصية التكنوقراط منه إلى أي ممثل سياسي داخل منظومة الشرعية، فهو يؤدي دورًا تنفيذيا ملتزمًا بالاتفاقيات والسياسات المرسومة، لا دورًا تفاوضيًا لصالح طرف محدد. غير أن الواقع يؤكد غياب أي اتفاق فعلي بين أطراف الشرعية أنفسهم أو بينهم وبين الحوثيين، فلا حل الأقاليم مطروح، ولا حل الدولتين قائم، ولا أي بديل آخر يمكن الوثوق به. ولو وُجدت تفاهمات حقيقية لكانت الحرب قد انتهت منذ سنوات، لكننا ندخل الآن عقدًا ثانيًا من الصراع بلا أفق واضح.

 

المجلس الانتقالي الجنوبي كان الطرف الأبرز في الرد على تصريحات الزنداني، متهمًا إياه بالتنكر لتفاهمات داخلية وخارجية حول القضية الجنوبية. غير أن الزنداني، من حيث لا يقصد، أعاد تنشيط صوت الانتقالي الرسمي الذي غاب منذ شهرين بعد القرارات الرئاسية الأخيرة، ما أضفى حيوية جديدة على المشهد السياسي.

 

من المهم التذكير بأن أي تفاهمات سياسية تظل بلا قيمة قانونية أو سياسية ما لم تُعلن رسميًا، كما حدث عام 1994 حين تبخرت وعود الاعتراف بدولة الجنوب بمجرد تغير موازين الحرب. فلا حماية لتفاهمات سرية إلا بالإعلان الرسمي أو بالنجاح العملي على الأرض.

 

ويُلام الانتقالي اليوم لأنه دخل مرحلة إدارة الدولة بعقلية ما قبل المشاركة، مكتفيًا بخطاب سياسي مؤثر دون تطوير أداء حكومي فعّال. المطلوب مراجعة الأداء بواقعية، ومقارنته بتوقعات الشعب الذي فوّضه، وشركائه الذين ينتظرون شريكًا ناضجًا ومسؤولًا.

 

كما يجب على الانتقالي إدراك أن الخارج يدعم برنامج الإصلاحات الحكومية كمدخل لحل الأزمات، وأن المشاركة الإيجابية في هذا المسار تكسبه ثقة الداخل والخارج معًا.

 

تجارب الماضي في الجنوب تقدم دروسًا مؤلمة، من إقصاء سالمين إلى أحداث يناير 1986، حيث أدت الصراعات القيادية إلى تدمير الدولة لا بسبب الخلاف مع الشعب، بل بسبب تفرد القرار داخل الصف الأول للسلطة. لذا الحذر واجب من تكرار هذا السيناريو في جسد الانتقالي.

 

وأخيرًا، إذا أراد الانتقالي أن يكرم ذكرى الاستقلال النوفمبري بمعناه الحقيقي، فليكن ذلك بتفعيل العمل المؤسسي، بدءًا من انعقاد الجمعية الوطنية وانتظامها، ومنحها سلطة المصادقة على أي اتفاقات تخص مستقبل الجنوب، لتصبح المرجعية التشريعية والسياسية لمشروع الدولة القادمة.