*- شبوة برس – عبدالله الديني
في الوقت الذي يخوض فيه الجنوب معركة مصيرية لحماية أرضه ومكتسباته التي تحققت بدماء أبطاله، يطلّ البعض بفكرة مريبة وخطيرة تتمثل في دمج القوات المسلحة الجنوبية بكافة تشكيلاتها ضمن ما يسمى بالقوات اليمنية. وهي فكرة لا تقل خطورة عن أي عدوان مباشر، لأنها ببساطة تمسّ جوهر الأمن القومي الجنوبي وتفتح الباب واسعًا أمام الغدر والخيانة التي أثبتت التجربة أنها تسري في دماء كثير من القيادات الشمالية.
التاريخ القريب وحده كافٍ ليُسقط هذه الفكرة قبل أن تولد. فمنذ اندلاع الحرب، شاهد الجميع بأمّ أعينهم كيف انشقت وحدات عسكرية شمالية بأكملها والتحقت بالحوثيين في صنعاء، وكيف تم تسريب مواقع عسكرية حساسة أدت إلى استهدافها من قبل المليشيات، بل وكيف تم طعن قوات التحالف العربي في مأرب بخيانة عسكرية صريحة دفع ثمنها العشرات من الشهداء. فهل يُعقل بعد كل هذه الشواهد أن يُسلَّم الجنوب أمنه لجيش لم يثبت يومًا ولاءه سوى لنفسه أو لسيده في صعدة؟
القوات المسلحة الجنوبية ليست مجرد تشكيلات عسكرية، بل منظومة أمنية متماسكة وولاؤها للوطن الجنوبي وشعبه. هي القوات التي واجهت الحوثي في كل الجبهات وانتزعت النصر من بين أنيابه في الوقت الذي كانت فيه جيوش الشمال تُهزم وتفرّ من مواقعها تاركةً العتاد والسلاح للعدو. دمج هذه القوات الصلبة مع جيش مترهل تلوث بالفساد والولاءات المتقلبة، ليس إصلاحًا كما يدّعون، بل تدميرًا ممنهجًا للكيان العسكري الجنوبي الذي يمثل خط الدفاع الأول ضد المشروع الإيراني في المنطقة.
جيش الإخوان المفسدين الذي امتهن التراجع والانكسار، لا يمكن أن يكون شريكًا لجيش صنع الانتصارات وكتب تاريخه بالدم والبطولة. فالفارق بينهما هو الفارق بين من يقاتل بعقيدة وطنية صادقة، وبين من يقاتل من أجل مصالح حزبية أو توجيهات خارجية. ومن العبث أن يُطلب من الجنوبيين أن يضعوا مصيرهم بأيدي من خانوا العهد مرارًا، وسلّموا الجبهات للعدو طواعية.
دمج القوات الجنوبية بالجيش اليمني ليس توحيدًا كما يُروّج له البعض، بل هو عملية تفكيك متعمدة لأكثر الجيوش انضباطًا وتنظيمًا في الساحة اليمنية اليوم. إنها وصفة جاهزة لخلخلة الأمن، وإعادة إنتاج الفوضى، وإهدار كل ما تحقق من انتصارات بجهد ودماء الأبطال.
وعليه، فإن الحفاظ على استقلالية القوات المسلحة الجنوبية هو واجب وطني لا يقبل المساومة، ليس فقط لحماية الجنوب، بل لحماية مشروع الأمن الإقليمي الذي لطالما وقف الجنوب فيه سدًا منيعًا أمام التمدد الإيراني والعبث الإخواني. إن من يدعو إلى دمج القوات الجنوبية مع القوات اليمنية، إنما يدعو ضمنيًا إلى انتحار سياسي وعسكري للجنوب وللتحالف على حدّ سواء.
فالخيانة لا تُرمّم، والثقة لا تُمنح لمن أساء الأمانة، والجنوب لا يمكن أن يُلدغ من الجحر نفسه مرتين.
✍️@Aldiny_abdullah
✍العقيد شاخوف حضرموت