ما نشهده هذه الأيام من مزايدات وشطحات إعلامية وسياسية من بعض الشخصيات هو أمر يثير الاستغراب والاستفزاز في آنٍ واحد، لأن هذه الأصوات لا تسهم إلا في تشتيت الصف الجنوبي في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى وحدة الموقف والرؤية. ومن تلك الشطحات التصريحات الأخيرة التي أطلقها الشنفرة باتهام الرئيس عيدروس الزبيدي بالخيانة لمجرد تصريح أو موقف نختلف حوله في الرأي أو التقدير، دون أن نلغي ما للرجل من رصيد نضالي وتاريخي مشهود في مختلف المراحل والمفاصل التي مرت بها القضية الجنوبية.
لقد عرفنا الرئيس الزبيدي منذ أيام الحراك الجنوبي قائدًا ميدانيًّا شجاعًا ومقاومًا مخلصًا، يقف في مقدمة الصفوف في أحلك الظروف، ويسهم بجهوده في التدريب والتنظيم والتأهيل عندما كان العمل الوطني يفتقر إلى الإمكانيات وأبسط مقومات الدعم. وفي معارك تحرير الضالع كان واحداً من أبرز القادة الذين تحملوا عبء المواجهة، وقادوا الصفوف بثبات وحكمة، وكانت علاقاته مع مختلف القوى والمكونات إيجابية وبنّاءة، هدفها الأول والأخير هو تحرير الأرض والإنسان الجنوبي.
وعندما تم تعيينه محافظًا لعدن، واجه مرحلة استثنائية صعبة للغابة بكل ما فيها من تعقيدات أمنية وخدمية واقتصادية، لكنه أدار المحافظة بشجاعة وإصرار، وسعى إلى استقرار الأوضاع رغم شحّ الموارد وتعدد القوى المؤثرة في المشهد. ثم جاءت المرحلة المفصلية حين تم الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وقيام القوات المسلحة الجنوبية، وهي محطة أساسية نقلت العمل الجنوبي من مرحلة العشوائية والشتات إلى مرحلة التنظيم والتمثيل السياسي الواضح على المستويين المحلي والإقليمي. ولا يمكن إنكار أن دور الرئيس الزبيدي كان محوريًّا في تلك النقلة التي جعلت القضية الجنوبية حاضرة على طاولة النقاش الإقليمي والدولي.
صحيح أن هناك بعض الملاحظات والانتقادات التي يمكن توجيهها لآلية اتخاذ القرار، أو لطريقة إدارة بعض الملفات، أو لتأثير المحيطين به وتغوّل الفساد والفاسدين في بعض المؤسسات، ومن حق الجميع أن يُعبّروا عن آرائهم بموضوعية ومسؤولية. غير أن ما يُحسب للأخ الرئيس عيدروس الزبيدي وقيادة المجلس الانتقالي هو استيعابهم للنقد البنّاء وتقبلهم للرأي الآخر، وهو ما يعكس قدراً من النضج السياسي والحرص على التفاعل مع أبناء الجنوب.
أما أن يتحول الخلاف في الرأي إلى تخوينٍ أو تحريضٍ على القيادة، فذلك أمر مسيء لقضيتنا قبل أن يُسيء لأي شخص بعينه. فالتاريخ لا يُمحى بالمزايدات، والإنجازات لا تُلغى بالصوت العالي، والشعارات الثورية لا تُغني عن العمل المنظم والمسؤول.
إن المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب رصّ الصفوف وتعزيز الثقة بين جميع القوى الجنوبية، لا تفريقها أو دفعها إلى صراعات جانبية تخدم خصوم الجنوب. نحن بحاجة إلى حوارٍ جنوبيٍّ جامعٍ لا يستثني أحداً، يُبنى على أساس الاحترام المتبادل والمصارحة، بعيداً عن الشطحات والمزايدات التي ملّها الناس، وبعيداً عن استغلال معاناة المواطنين لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.
ختامًا، لقد ملل شعبنا من المزايدات والشطحات والشعارات ثورية و(ثورة ثورة لا إصلاح)!. ويبقى الأمل أن نرى وحدة صف جنوبية حقيقية تمتد من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تحيط بنا من كل الاتجاهات، وأن نجعل من الحوار والتفاهم سلاحنا الأقوى في حماية مشروعنا الوطني الجنوبي، وتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية والكرامة والاستقلال.