*- شبوة برس - لطفي الداحمة
رواية "الحرب والسلم" إحدى روائع الأدب الروسي، لا تقتصر على سرد المعارك فقط، وتركز على الصراعات الداخلية التي تعصف بالنفوس الباحثة عن معنى للتضحيات والدماء التي أُريقت، الجنرال بيير، أحد أبطال الرواية، يشهد مقتل أصدقائه ودمار وطنه، وبعد كل ذلك يكتشف أن القادة الذين تصدروا المشهد لم يحملوا النصر كما كان ينتظر، استغلوه لتحقيق مكاسب شخصية، وقد قال تولستوي:
"أسوأ ما في الحرب ليس الموت، إنما أن يعود الناجون ليكتشفوا أن الذين فقدوا حياتهم لم يكونوا يقاتلون لأجل شيء،" وهذا بالضبط ما يحدث في الجنوب".
قدم الشعب كل شيء، آباء دفعوا بأبنائهم إلى الجبهات، وأبناء كبروا على فكرة الاستقلال، وأحفاد رفعوا على الأكتاف ليهتفوا للهوية والقضية، كانت التضحيات عظيمة، لكن من تصدر المشهد بعد التحرير لم يكن على قدر الحلم، ولم يحمل ثقل الدماء التي سالت من أجل هذا المشروع.
المجلس الانتقالي، الذي تشكل على أنقاض التضحيات، أصبح أسيرا لسياسات خارجية لا تعبر عن نبض الناس، انخرط في محاور وتماهى مع مواقف لا تخص الجنوب، وصمت أمام قرارات تمس الأرض والكرامة والسيادة، وأدار ظهره لكل من ناضل وحمل البندقية والحلم معا.
لم يحصل هذا المجلس على تفويض عشوائي، قد جاء من قلب المعركة، من أسر الشهداء، وعظام المقاتلين الراقدين في المقابر، ومن دموع الأمهات اللواتي صدقن أن النصر يعني نهاية المعاناة، لكنه للأسف تعامل مع هذا التفويض كما تفعل الأنظمة التقليدية، صمت، وسوء إدارة، وتمكين الأقرباء، والتخلي عن الوجع الحقيقي في الشارع.
الناس لم يموتوا ليعاد إنتاج الخذلان، ولم يقدموا أبناءهم ليستبدلوا ظالما بآخر، ولا قاتلوا لأجل حكومة مناصفة عاجزة، ولا لراية ترتفع في الخارج وتسقط في الداخل.
الجنوب لا يحتاج إلى خطاب وطني يتكرر في المناسبات، هو بحاجة إلى مشروع يجسد تطلعات شعب الجنوب، قيادة تمثل التضحيات، تحفظ الهوية بكرامة، تتحدث بلغة الأرض، لا بلغة الممولين، وترفض المساومة على ما دفع لأجله أغلى الأثمان.
إذا لم يدرك المجلس الانتقالي أنه يقف على أرض مقدسة غسلت بدماء الشهداء، فإن الوعي الجمعي سيعيد تقييم التجربة بمرارة، لأن ما من شعب يقدم ثلاثة أجيال للتضحية، ويخرج من كل ذلك خالي الوفاض، إلا ويعيد تشكيل وعيه، ويحاسب من خذله، ولو بعد حين.