ما بعد شهادة الزور .. الجنوب سينتصر
مقدمة ..
أي حركة عظيمة يجب أن تمر بثلاثة مراحل : الاستهزاء ، ثم المناقشة ، ثم التبني ..
" جون ستيوارت ميل "
اليوم هو الثامن والعشرين من سبتمبر 2013م ، أول نهار بعد أن قدم المبعوث الأممي السيد جمال بن عمر شهادة الزور .... أو ما يسمى تقريره إلى مجلس الأمن الدولي في نيويورك ، واليوم ليس هو الأمس ..
ما قبل الحوار ..
لقد جاء ما يطلق عليه مؤتمر الحوار الوطني في إطار المبادرة الخليجية التي أرادت تجنيب اليمن حرباً مفتوحة بعد أن عجزت ما سميت بـ ثورة التغيير في إحداث فارقاً في التاريخ اليمني ، فلقد ظلت ثورة الشباب طريقها ودخلت في دهاليز صراع السلطة بين القبيلة الواحدة ، وهو ما أعاد انتاج ثورة 26 سبتمبر 1962م تماماً فتحولت الثورة من القيم والمُثل السامية إلى مشاركة في صراع القبيلة الواحدة وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى احتقان سياسي شديد التوتر كان معه لابد من تدخل خارجي قادته المبادرة الخليجية لفض الاشتباك المسلح بين الأطراف المتنازعة ..
دخلت المبادرة حيز التنفيذ السياسي برعاية مجلس الأمن وكان من أهم آلياتها لانتخابات الرئاسية ومؤتمر الحوار الوطني ، وكان منذ البدء هنالك خلل كبير في مضمون المبادرة الخليجية التي لم تراعي القضية الجنوبية ، وعلى هذا الأساس تحديداً قامت الأمانة العامة بمجلس التعاون الخليجي بدعوة القوى الجنوبية للالتقاء بالأمين العام الدكتور عبداللطيف الزياني في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 18 ديسمبر 2012م ، وقد قدمت القوى الجنوبية "وثيقة الرياض" التي حددت ملامح المطالب الجنوبية في مطالبة الدول الراعية لتقديم مبادرة خاصة بالجنوب إضافة إلى تحديد موقف صريح برغبة شعب الجنوبي استخدام حقه في تقرير المصير كما احتوت الوثيقة على التزام واضح من الجنوبيين على إقامة دولتهم المدنية والمسالمة والاتحادية وفقاً للمعايير الفيدرالية الدولية ..
عكس رفض الجنوبيين المشاركة في انتخابات فبراير 2012م حقيقة ( الثغرة ) في المبادرة الخليجية ، وبالرغم من ذلك كان الزخم الإعلامي يحاول إثبات أن مؤتمر الحوار الوطني هو الممر الآمن لقضايا اليمن متجاهلاً القضية الجنوبية التي قرر شعبها كله مقاطعة الحوار ماعدا فريق (مؤتمر شعب الجنوب) الذي وافق على المشاركة بعضوية خمسة وأربعين عضواً في مغامرة احتملت المخاطر السياسية واحتملت أيضاً المخاطر التاريخية ..
في الحوار ..
كان مؤتمر الحوار الوطني يسير طبيعياً في مناقشات القضايا الاجتماعية والاقتصادية حتى تقدم فريق القضية الجنوبية برؤيته السياسية والتي حملت في مضمونها مطالب الشعب الجنوبي بحق تقرير المصير واستعادة الدولة فيما قبل 22 مايو 1990م ، هنا تغيرت الموازين السياسية في مؤتمر الحوار الوطني وظهرت حقيقة ما تخفيه القوى الشمالية تجاه الحوار ومضمونه وغاياته ، وعلى الرغم من أن الجنوبيين لم يحصلوا على دعم شعبي إلا أن رؤية فريق القضية الجنوبية شكل تحدياً صعباً تمثل في المطالبة بتلبية النقاط العشرين إضافة إلى أحد عشر نقطة يمثل تنفيذها الصحيح المخرج الحقيقي لمؤتمر الحوار الوطني ..
ولقد أدى انسحاب فريق القضية الجنوبية إلى تلبية جزء من النقاط على رأسها الاعتذار لشعب الجنوب والذي لم يجد صدى في الشارع الجنوبي إلا انه يعتبر وثيقة إدانة صريحة لنظام صنعاء عن جرائم الحرب المرتكبة في صيف العام 1994م وما لحق به من جرائم وانتهاكات ، كما جاءت قرارات إعادة المسرحين أيضاً باهتة ولم تعطي تلكم الهالة الإعلامية تأثيراً في عمق الحاجة لاتخاذ قرار صريح وواضح تجاه القضية الجنوبية التي وجدت نفسها في زحمة مؤامرات تقدمها دعاة الإقليم الشرقي الذي خضع سماسرته لإرادة قوى النفوذ في صنعاء من مؤتمر شعبي وإصلاح التي تواطأت ضد دماء الشهداء والآلام الجرحى وأنات المعتقلين في سجون الاحتلال اليمني ..
واقع الحال كان جموداً لم تستطع القوى المختلفة من تجاوزه وأدخل الحوار في أزمة أصبح من الضرورة إيجاد مبادرة جديدة من أجل مخرج ملائم فالتفاوض الندي بين الشمال والجنوب مازال مجرداً من الرغبة الجادة عند الطرف الشمالي في حل لقضية الجنوب ، وأن كان الواقع كشف النقاب عن حقائق مهمة في وضعية الخمسة والعشرين قطاعاً نفطياً والتي تمنح للمخلوع علي عبدالله صالح وغيرها من اكتشافات تكشف واقع أن الشمال لن يتنازل عن الجنوب أو الغنيمة والفيد ..
ما بعد الحوار ..
تقدم السيد جمال بن عمر بشهادة الزور إلى مجلس الأمن الدولي ولم تتضمن النقاط الأكثر أهمية وعلى رأسها حق الجنوب في تقرير المصير و المعرقل لمؤتمر الحوار الوطني ، أذن لسنا أمام واقعة أولى فهي واقعة مكررة لذات شهادة الزور التي نطق بها الأخضر الإبراهيمي في صيف العام 1994م ، ونحن في مشهد مكرر تماماً متطابق مع ذات الأدوات فشهادة جمال بين عمر لم تتطرق حتى لتزايد الاغتيالات للعسكريين والمدنيين في الجنوب وبزيادة تتجاوز 34% عما سبق مؤتمر الحوار الوطني ، وهي دعوة صريحة اليوم ليعود فريق القضية الجنوبية إلى العاصمة عدن ويعلن فيها ومنها انسحابه الكامل من أعمال المؤتمر الوطني للحوار ، فيكفي ما بلغ من إثبات أن الحوار مع الطرف الشمالي هو مجرد مضيعة وقت اعتاد عليها الشماليين دائماً ..
أن مضمون شهادة المبعوث الدولي جمال بن عمر تشكل مفترق الطريق بين القضية الجنوبية ومؤتمر الحوار الوطني وعلى أبناء الجنوب وهم يعيشون مرارة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن أن ينطلقوا إلى ما يحقق مطالبهم السياسية باستعادة دولتهم أولاً وهذا يعني أن يبذل أبناء الجنوب جهدهم في التواصل عبر مؤتمر الجنوب الجامع الذي عقدت لجنته التحضيرية اجتماعها الأول في المكلا في توقيت يحمل دلالة التشييع لمؤتمر الحوار اليمني ..
المحصلة السياسية من مخرجات مؤتمر الحوار اليمني هي بدون شك أثبتت أن القضية الجنوبية هي المفصل الحقيقي وأنها الواقع الصحيح الذي وصفه جمال بن عمر بأنه مثير للجدل ، والقضية الجنوبية ليست مثيرة لجدل أحد بمقدار ما هي قضية عادلة من مختلف النواحي ، وما أفرزته مخرجات الحوار اليمني في الأشهر الستة الماضية إنما تؤكد عدالة المطالب الوطنية لشعب الجنوب ..
برقية إلى السيد / محمد علي أحمد وفريق القضية الجنوبية ..
حتى اللحظة .. قدمتم لوطنكم ما يستحق الثناء والشكر الجزيل ، يكفيكم أنكم كشفتم عوار الحوار ، وأنكم كنتم حتى اللحظة عند العهد والوفاء للشهداء والوطن .. الآن والآن هو وقت القرار .. عودوا إلى عدن أبطالاً .. أو أنكم تعودون في وقت لاحق فجاراً و الخيار لكم