تحديات ومعاناة كارثية لمعلمي الاجيال

2025-09-28 18:18

 

إن من بين أهم وأبرز التحديات التي تواجه الأساتذة والمعلمين في كل مراحل التعليم لدينا، الجامعي وما دونه، كما أعتقد – وهذه وجهة نظري – هوة سحيقة أوجدتها قيادة القطاع التعليمي، سواء أكان التعليم العالي أم ما دونه. هذه الهوة تكمن في أن القيادات العليا، ممثلة بالوزراء والوكلاء، قد عزلت نفسها في أبراج عاجية مكتبية وسفرياتية، بعيدًا عن القواعد الممثلة بالعمداء والهيئات التدريسية، ودون الشعور الحقيقي بالمسؤولية المناطة بها والمهام الموكلة على عاتقها في الداخل. وقد تركت هذه القيادات مؤسسات التعليم الجامعي وما دونه تسير ببركة نشاط العمادات والأساتذة فقط، دون توفر أدنى حد من الإمكانات التي يتطلبها النشاط التعليمي.

 

وكما يبدو جليًا للعيان، لا تخطيط ولا رؤية لدى وزيري التعليم العالي والبحث العلمي والتربية والتعليم؛ فكلاهما في واد، والعملية التعليمية والتربوية في واد آخر.

 

أما المشكلة الأكثر حيوية التي يعانيها المعلم في مختلف مراحل التعليم، فهي أنه يعيش كارثة معيشية لم يألفها منذ عقود زمنية. لقد وصل الأمر إلى صناعة الأزمات المعيشية المتعمدة لصُناع الأجيال ورجال العلم والتعليم، الذين يفترض أن ترتكز عليهم الأجيال والعملية التعليمية برمتها، ومنهم يستمد الوطن قدراته المتعددة.

 

فبدلاً من إعطاء عناية استثنائية للمعلم لتحسين وضعه المعيشي من خلال راتبه، والاهتمام بصحته وعلاجه، ومساعدته في تأمين مسكن، والاستثمار في تدريبه وتأهيله، وتطوير البنية التحتية والأدوات في أماكن عمله لمواكبة لغة العصر واقتصاد المعرفة؛ حتى ينتج ثمارًا علمية متجددة وابتكارية تقود لتطور الحياة التعليمية، فإن هذه القيادات النشاز ذهبت إلى أبعد من ذلك، فخلقت للمعلم أزمة خانقة بتعليق راتبه لثلاثة أشهر!

 

فمن أين لهذا المعلم أن يجد قوت يومه وأولاده؟ ومن أين له مصاريف مواصلات ذهابه لعمله؟ ومن أين له أن يقتني الجديد في مصادر العلم لمتابعتها وعكسها على طلابه؟ ومن أين له أن يجدد في هندامه وملابسه ليظهر بشخصية تليق بمكانته العلمية؟

 

أرى أن القيادات في وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم تتحملان المسؤولية الكاملة، كونها تتقاعسان في الدفاع عن حقوق المعلم المعيشية والتقنية.

 

لذا، فلن يصلح التعليم بمثل هذه الأوضاع التي يندى لها الجبين. لن تصلح أمور المعلم ولا التعليم بذاته، طالما أن سياسة القائمين عليه في أعلى هرم السلطة هم جزء من المشكلة، بدلاً من أن يكونوا جزءًا من الحل والمعالجة والإنصاف الكامل لأهمية العملية التعليمية والتربوية في البلاد. وبالتالي، وبهذه السلبية المقيتة، هم يهدمون وطنًا ويُجهلون أجيالًا، ويحاربون كل العقول النيرة التي هي مصباح وإشعاع التنمية في أي بلد، من حيث يدرون أو لا يدرون.

 

وإني لمتأكد أنهم على دراية كاملة بكل ما طرحناه هنا، ولكن إما أن سياسات الدولة برمتها هي السبب، أو أن فاقد الشيء – في هاتين الوزارتين – لا يعطيه. وأمامهم خياران: إما تفاعل خططي وعملي ميداني مع المعلم ومؤسساته، وإلا فالأجدر بهما أن يدعا الحقائب الوزارية بشرف وهم مرفوعو الرأس، إذا كان لديهم ضمير ودم أناس حريصين على وطنهم وأجيال بلدهم.

 

د. صلاح سالم أحمد

أستاذ الجغرافيا السكانية وعلم الهجرة إلى المدن جامعة عدن