ليس غريبا أن نرى الأطباء يناضلون من أجل صحة المجتمع أو المهندسين يخططون لعمرانه ولكن حين يضطر المعلم باني العقول وصانع الأجيال إلى ترك طبشورته والوقوف في ساحات القضاء فإن ذلك مؤشر على أن ميزان العدل في المجتمع قد اختل وأن هناك جرحا غائرا في جسد الوطن إنها ليست مجرد قضية حقوقية بل هي صرخة مدوية تطرح سؤالا جوهريا كيف لأمة أن تنهض ومعلمها يهان وتداس حقوقه
في خطوة تحمل دلالات عميقة أعلنت نقابة معلمي وتربويي حضرموت الساحل عن تحديد يوم الثلاثاء الموافق 30 سبتمبر 2025م موعدا لأولى جلسات المحاكمة في القضية المرفوعة ضد السلطة المحلية ومدير عام مكتب التربية والتعليم بالساحل هذه الخطوة لم تأت من فراغ بل هي تتويج لسنوات من المطالبات المتكررة التي قوبلت بالتجاهل وصرخات الألم التي ضاعت في صدى الوعود الفارغة
تأتي هذه الدعوى القضائية في إطار مساعي النقابة للدفاع عن حقوق المعلمين المشروعة التي كفلتها القوانين فالمعلمون الذين يمثل المتعاقدون منهم نسبة تصل إلى 80% من الكادر التعليمي في حضرموت يعانون من ظروف معيشية قاسية وتدهور مستمر في أوضاعهم وقد وصلت معاناتهم إلى مرحلة غير مسبوقة من الإهانة والإذلال مما أدى إلى أزمات نفسية وتفكك أسري في أوساطهم
تتلخص مطالبهم الأساسية التي دفعتهم للإضراب الشامل والمفتوح مع بداية العام الدراسي في قضايا جوهرية تمس كرامة عيشهم فهم يطالبون بصرف رواتب تعادل قيمتها ما كانت عليه في عام 2014 وعلاوة غلاء معيشة وتحديد حد أدنى لأجور المتعاقدين بالإضافة إلى تسريع صرف مستحقات المتقاعدين وانتظام الرواتب الشهرية
إن لجوء المعلمين إلى القضاء بعد أن نفذت كل سبل الحوار وبعد أن تعرضوا لإجراءات عقابية تمثلت في توقيف مرتبات المضربين بل واعتقال قيادات نقابية خلال وقفة احتجاجية هو دليل على أن القضية تجاوزت المطالب المادية لتصل إلى صميم الكرامة الإنسانية فالمعلم الذي يقمع صوته وتصادر حقوقه لا يمكنه أن يبني جيلا قويا أو يزرع العزة في نفوس طلابه
إن وقوف معلمي حضرموت أمام القضاء ليس مجرد دفاع عن لقمة العيش بل هو دفاع عن هيبة التعليم ومستقبل أمة بأكملها فعندما يجبر المعلم على المقاضاة من أجل أبسط حقوقه فإن الخصم الحقيقي ليس شخصا أو جهة بعينها بل هو الجهل والتخلف الذي يتربص بالوطن إن الحكم الذي سيصدر في هذه القضية لن يكون مجرد قرار قضائي بل سيكون شهادة تاريخية إما أن تنصف صانع المستقبل وتعيد له اعتباره أو أن تترك الأجيال القادمة فريسة للظلام فلتكن هذه المحاكمة بداية لصحوة ضمير وفرصة لإعادة الاعتبار لمن يحملون على عاتقهم أقدس رسالة فرأس مال الأمة الحقيقي ليس في ثرواتها المادية بل في عقول أبنائها التي يصقلها معلم كريم ومصان.