*- شبوة برس - علي بالعبيد
في لحظات الفقد الكبرى تتجلى معادن الرجال وتروى سيرهم كفصول من كتاب خالد وبرحيل القائد والمناضل أديب محمد صالح العيسي الذي وافته المنية إثر ذبحة صدرية مفاجئة يطوي الجنوب صفحة من أنصع صفحات تاريخه النضالي الحديث مودعا قائدا استثنائيا اجتمعت فيه الصلابة والإنسانية والشجاعة والتواضع
لم يكن أديب العيسي مجرد اسم عابر في سجلات السياسة أو المقاومة بل كان ظاهرة وطنية متكاملة ورجل دولة بمشروع وقائدا ميدانيا بقلب إنسان ولد وترعرع في مديرية المنصورة بالعاصمة عدن وتشرب من شوارعها روح التحدي وعشق تراب الجنوب كان رحيله فاجعة هزت وجدان كل من عرفه ليس فقط لثقله السياسي بل لقربه من الناس وهمومهم حيث كان الأب والأخ والصديق للكثيرين
مسيرة نضال بدأت مبكرا
ارتبط اسم أديب العيسي بالحراك الجنوبي منذ أيامه الأولى حيث كان من أوائل الذين خرجوا سلميا للمطالبة بحقوق الجنوب ورفض التهميش لم تكن مسيرته مفروشة بالورود فقد دفع ثمن مواقفه الشجاعة اعتقالات متكررة منذ عام 2008 بتهمة المساس بالوحدة وتعرض لإصابات بالغة برصاص الأمن المركزي في مناسبات عدة إحداها في سبتمبر 2012 كادت أن تودي بحياته كما نجا من محاولات اغتيال متعددة لكن كل ذلك لم يزده إلا إصرارا وثباتا على مبادئه
كان منزله في المنصورة مقرا للثوار ومنطلقا لثورة 16 فبراير الشبابية حيث فتح أبوابه لكل أبناء الجنوب مسخرا إمكانياته الشخصية والعائلية لدعم الفعاليات وتوحيد الصفوف
مهندس الوفاق ورجل المقاومة
عندما تحول المشهد إلى المواجهة المسلحة في عام 2015 كان أديب العيسي في طليعة المدافعين عن عدن لم يكن قائدا في الخطوط الخلفية بل كان أحد أعمدة ومؤسسي المقاومة الجنوبية حاضرا في الميدان ومساهمًا بشكل مباشر في التخطيط والتنفيذ لتحرير العاصمة امتد دعمه اللوجستي والمادي ليشمل مختلف جبهات القتال في لحج وأبين والضالع إيمانا منه بوحدة المصير الجنوبي
ولقب ب مهندس الوفاق الجنوبي وهو لقب لم يأت من فراغ فبعد تحرير عدن بادر إلى الدعوة لتوحيد فصائل المقاومة ودمجها في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وأعلن عن ذلك في لقاء تاريخي بقاعة فلسطين في أغسطس 2015 كان يؤمن بأن المقاومة يجب أن تكون رافعة لبناء الدولة لا بديلا عنها وسعى جاهدا لتمكين شباب المقاومة في مؤسسات الدولة وطالب بحقوق الجنوبيين كاملة
وعلى الرغم من أنه فقد والده المناضل العقيد محمد صالح العيسي في أحداث يناير 1986 المؤلمة إلا أن هذه المأساة الشخصية لم تمنعه من تبني مشروع التصالح والتسامح بصدق ساعيا لتجاوز جراح الماضي وتوحيد كل المكونات الجنوبية
مفارقة التضحية والإقصاء
من المفارقات المؤلمة في مسيرة هذا القائد أنه بعد كل هذا العطاء والتضحيات الجسيمة وبعد أن كان له الفضل في دعم وتمكين العديد من الشخصيات التي تبوأت لاحقا أعلى المناصب واجه في سنواته الأخيرة نوعا من التهميش والإقصاء ففي الوقت الذي كان يسعى فيه جاهدا لتوحيد الصف وتقديم النصح والمشورة وجد نفسه بعيدا عن دائرة صناعة القرار
وتجسدت هذه المرارة في أيامه الأخيرة حيث ذكر مقربون منه أنه كان ينتظر تحديد موعد للقاء الرئيس عيدروس الزبيدي وهو الموعد الذي لم يأت أبدا ليغادر دنيانا وفي قلبه غصة وحرقة على ما آلت إليه الأمور هذا الموقف يعكس حجم الجحود الذي قد يواجهه المناضلون الحقيقيون ويضيف طبقة أخرى من الحزن على رحيله المفاجئ
رحيل الجسد وبقاء الأثر
شيعت عدن ابنها البار في موكب جنائزي مهيب جسد مكانته في قلوب الناس رحل أديب العيسي لكن إرثه باق في كل شارع ناضل فيه وفي كل موقف صدح فيه بالحق وفي كل قلب لمسه بإنسانيته لقد كان قائدا استثنائيا بحق من طراز نادر يصعب أن يتكرر وستظل سيرته نبراسا يضيء الدرب للأجيال القادمة وشاهدا على أن الأوطان تبنى بسواعد رجال صادقين أمثاله حتى وإن واجهوا التنكر في آخر الطريق.