انفضوا مجلس القيادة الرئاسي قبل الكارثة الأكبر

2025-09-18 20:28

 

لم يعد الوضع في اليمن والجنوب يحتمل المزيد من المراوغة أو إدارة الأزمات بمنطق شراء الوقت. فالتحالف والرباعية الدولية المعنية بالملف، أمام لحظة فارقة تتطلب مراجعة جادة، لأن استمرار النهج الحالي يعني ببساطة انهيار ما تبقى من مقومات البقاء، وسقوط الجميع في فوضى شاملة.

 

على مدى سنوات، تحولت الشرعية إلى مظلة لعصابات تجار الحروب، الذين وظفوا الصراع لتحصيل مكاسب شخصية ومنافع فئوية على حساب الشعبين في اليمن والجنوب. ومع أن مجلس القيادة الرئاسي شُكل تحت شعار الإنقاذ، إلا أنه غدا عبئًا إضافيًا، أُستخدم كواجهة للفساد والابتزاز والتبعية والمحسوبية. اليوم صار من الضروري إعادة تعريف مهامه ونفضه من الداخل، حتى لا يستمر كغطاء جديد لانتهازية بعض القوى وتآكل ما تبقى من ثقة المواطنين.

 

الحل يكمن في إعادة توزيع مهام المجلس بشكل واقعي: فريق يواجه الحوثي عسكريًا أو سياسيًا وفق استراتيجية واضحة، وفريق آخر يتولى إدارة الجنوب على أسس وطنية راسخة. هذا الفصل ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة تفرضها الجغرافيا والتاريخ واختلاف أولويات الواقع بين اليمن والجنوب.

 

ومع ذلك، فإن إصلاح المجلس وحده لن يجدي ما لم توضع القواعد التي تُعالج جذور الأزمة في هذا الإقليم: أولها الصراع التاريخي بين الجنوب واليمن، وثانيها فشل القوى اليمنية المتعاقبة على حكم صنعاء في بناء دولة مواطنة متساوية. فالقوى المسيطرة ظلت أسيرة منطق الهيمنة والغلبة، عاجزة عن تصور دولة عادلة تتجاوز البنية القبلية والمذهبية والمناطقية. ومن هنا تتكرر الانهيارات ويتجدد العنف مع كل مرحلة.

 

إن مقاربة هذه الجذور يتطلب أولا الاعتراف بالحقائق كما هي. الجنوب ليس مجرد إقليم متمرد كما يصر بعض دعاة مشروع الوحدة التقليدية، بل قضية وطنية سياسية متكاملة لها امتداد شعبي ووطني وتاريخي وقانوني. تجاهل هذه الحقيقة لم يثمر إلا إعادة إنتاج الحروب منذ 1994 وحتى اليوم. وفي المقابل، لم تتمكن أي من القوى اليمنية، سواء في صيغة النظام السابق أو قوى ما بعد 2011، من إرساء قواعد دولة مدنية تستوعب الجميع.

 

المطلوب اليوم ليس ترقيعًا سياسيًا ولا اتفاقات مؤقتة، بل مراجعة جذرية تنطلق من قناعة أن استقرار المنطقة يبدأ من حل الإشكالية البنيوية: علاقة الجنوب باليمن، والاعتراف رسميًا بحق الجنوبيين الوطني في إقامة دولتهم، بالتوازي مع صياغة نظام سياسي جديد في صنعاء يراعي واقع التعددية والهويات المتمايزة.

 

إن أي محاولة لتجاهل هذا المسار ستعني ببساطة تقوية الحوثي وتوسيع نفوذه وإبقاء تجار الحروب في واجهة المشهد. أما الاعتراف بالواقع وإعادة هندسة المجلس الرئاسي وفق معطيات موضوعية فسيعزز جبهة المناهضين للحوثي ويفتح الباب أمام تسوية مستدامة تخرج الجميع من الحلقة المفرغة.

 

الوقت يوشك على النفاد. فإما أن يتحرك التحالف والرباعية بقرارات شجاعة تنفض المجلس وتضع حدًا لعصابات الحرب، وتفتح أفقًا سياسيًا جديدًا في جنوب الجزيرة العربية، أو سيستيقظ الجميع على انهيار شامل لن يُبقي ولن يذر.