قال كاتب سياسي أن "الإعاشة" أصبحت حقًا مكتسبًا، لا بحكم القانون، بل بحكم اللصوصية لممنهجة، حيث يتم صرف مبالغ مالية بالعملة الصعبة، لمن هم خارج الخدمة وخارج البلاد وخارج الضمير. ,هؤلاء المستفيدين من الإعاشة، يصنّفون رسميًا كـ"مغتربين"، لكن الواقع يقول إنهم ثكالى سياسيون، جالسون على أرائك الفنادق والمقاهي".
ففي موضوع بعنوان "الإعاشة" شرعنة السحت بين سائل الداخل ومتخم الخارج للأستاذ "علي محمد سيقلي" أطلع عليه محرر "شبوة برس" نعيد نشره وورد فيه:
يا لروعة الوطن حين يتحول إلى مائدة مفتوحة، ينهل منها من شاء متى شاء، وكيف شاء، دون أن يرف له جفن، أو يتحرك عنده إحساس بأنه لص غير محترم.
نحن اليوم أمام إنجاز يمني فريد من نوعه، لم تسبقنا إليه أي دولة في العالم. اختراع الإعاشة، لا للعسكريين في الخنادق، ولا للمعلمين في المدارس، ولا للموظفين في الوزارات، بل إعاشة خمس نجوم لمواطنين "مغتربين اختياريا"، يعيشون في العواصم الفاخرة، ويستلمون الدولارات من خزينة شعب لا يملك حتى ثمن قرص روتي.
نعم، لا تعجب، فـ"الإعاشة" أصبحت حقًا مكتسبًا، لا بحكم القانون، بل بحكم اللصوصية الممنهجة، حيث يتم صرف مبالغ مالية بالعملة الصعبة، لمن هم خارج الخدمة وخارج البلاد وخارج الضمير.
هؤلاء المستفيدين من الإعاشة، يصنّفون رسميًا كـ"مغتربين"، لكن الواقع يقول إنهم ثكالى سياسيون، جالسون على أرائك الفنادق والمقاهي، يرفعون شعارات النضال عبر وسائل التواصل، ويطالبون الشعب بالصبر، وهم في الحقيقة يعيشون "شقاء النضال" في بارات وفنادق إسطنبول والقاهرة.
وفي هذا المشهد المضحك المبكي، يخرج علينا بين الحين والآخر من يُشرعن هذه المهزلة، ويرتدي عباءة الوطنية ليصرح بكل وقاحة بأن الإعاشة حق مكتسب!
"حق مكتسب للثرثرة الوطنية من الخارج ومرتب سيادي للمجهود الافتراضي" على تويتر وفيس بوك.
من يُشرعن الإعاشة هو إما مستفيد غارق حتى أذنيه في الدولارات، أو مصفّق محترف يرى في كل فضيحة فرصة للظهور كخبير، أو منافق وظيفي يزين النهب بمصطلحات مثل "المصلحة الوطنية العليا".
في الداخل؟ المواطن يقتات على الهم، الجندي بلا راتب، المعلم بلا قيمة، الموظف بلا كرامة، وفي الخارج؟ هناك من يتقاضى آلاف الدولارات شهريًا لأنه"وطني من الطراز الرفيع" و"سيعود لاحقًا حين تستقر الأمور".
ما يؤسف له أننا أمام ثقب أسود مالي، يبتلع كل ما تبقى من ميزانية الدولة المنهوبة، باسم "الإعاشة"، التي أصبحت مثل "النفَس" لهؤلاء الثكالى، وإن حاولت قطعها، يهددونك أنهم سيلتحقون بالحوثي.
حسنًا، فليذهبوا جميعهم إلى الجحيم، علّ الحوثي يعوضهم سنوات البعد عنه بالضرب على مؤخراتهم، وعفى الله عما سلف.
الغضب الشعبي يتصاعد، والناس تسأل: من هم هؤلاء؟ ولماذا لا نعرف أسماءهم؟ هل هم جواسيس؟ كائنات خرافية؟ أم مجرد لصوص متأنقين في منفى فاخر؟ ونطالب، الجهات المختصة أن تكشف الأسماء، أن تفضح هذه المعلبات البشرية الفاسدة، التي تتقاضى من قوت الجوعى لتغرد عن"الكرامة والسيادة والاستقلال وحدة التراب اليمني" من شرفات الفنادق، وصالات الرقص.
الإعاشة، في جوهرها، ليست مجرد فساد، بل عقيدة معوقة، ومشروع يضمن ألا تنتهي الحرب، لأن هؤلاء المتخمون بالخارج، لن يتحملوا العودة إلى العمل أو إلى الوطن.
الوطن الذي تركوه ليناضلوا عنه من مسافة آمنة، وزجاجة "استيلا" فاتحة للشهية.
لقد آن الأوان لإلغاء هذه المهزلة، وإعادة تلك الأموال للتعليم والصحة والمرتبات، وليعد المناضلون إلى الداخل إن كانوا صادقين، أو ليبقوا هناك دون إعاشة، ونسقطهم من حسابات الدولة كما أسقطونا من ضمائرهم.