مظلومية رجال القضاء يجب أن لا تكون مبررا لتعطيل المحاكم

2025-07-15 10:29
مظلومية رجال القضاء يجب أن لا تكون مبررا لتعطيل المحاكم
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

                    بسم الله الرحمن الرحيم

 

*- شبوة برس - عبدالجليل العامري

يتابع كل مواطن بأسف بالغ وقلق شديد ما صدر عن نادي القضاة الجنوبي فرع العاصمة عدن في بيانه الصادر بتاريخ 15 محرم 1447هـ الموافق 2025/7/10م، والذي تضمّن دعوةً صريحة لتعليق العمل القضائي ليومي الأربعاء والخميس أسبوعيًا ابتداءً من شهر صفر، على أن يتبعه تصعيد متدرج قد ينتهي بتعطيل شامل لمرفق العدالة، وذلك تحت مبرر المطالبة بإصلاحات مالية وإدارية وتحسين أوضاع منتسبي السلطة القضائية من قضاة وإداريين.

 

وإننا أمام هذا البيان، لا يسعنا إلا أن نرد عليه من موقع الواجب والغيرة على أعظم مؤسسة في الدولة – القضاء – التي جعلها الله موئل العدل وملاذ المظلومين، لنبيّن المخالفات الجسيمة التي تضمنها هذا البيان، والتناقض العميق بين جوهر مهنة القضاء، ومضمون ما يدعو إليه البيان.

 

أولاً: مخالفة شرعية وقانونية وأخلاقية لدعوة الإضراب وتعطيل العدالة

إن دعوة القضاة لتعليق العمل القضائي، هي بذاتها نقضٌ للميثاق الأخلاقي والشرعي الذي أقسموا عليه، ونقضٌ لأحكام الله التي نزل بها القرآن، لا تبرره حاجة ولا يبرره ظلم.

 

قال تعالى:

"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"

"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"

"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"

 

فهل من اتخذ مرفق القضاء رهينة، وأوقف مصالح الناس وحقوقهم وعدالتهم لأيام وأسابيع، يبرئ نفسه من هذه الأوصاف الثلاثة؟ كفر وظلم وفسق؟!

 

إن الله لم يفرض على القاضي أن يثور لأجره، بل فرض عليه أن يحكم بين الناس بالعدل، ولو كان خصيمه أقرب الناس إليه، ولو كان هو أحوج الناس.

 

ثانيًا: بيان يخلط بين "الحق الشخصي" و"الواجب المقدس"

 

نادي القضاة في بيانه يخلط خلطًا فادحًا بين مصلحته كهيئة نقابية، وبين رسالته كسلطة قضائية سامية.

 

نعم، نقر أن هناك خللاً في المنظومة المالية، وتدهورًا معيشيًا طال كل فئات الشعب بلا استثناء، لكن أن يتحول هذا الخلل إلى ذريعة لضرب آخر قلاع الدولة، وترك المظلوم في العراء، وتأجيل القصاص، والسماح للجناة بالفرار، فذلك هو الفساد بعينه.

 

هل غلاء المعيشة أصاب القضاة فقط؟

أم أن المعلم والممرض والشرطي والموظف العام لم تطحنهم نفس الأوجاع؟

لكن أيًّا منهم لم يجرؤ أن يعطل مرفقه الحيوي الذي يحمي به حياة الناس وأمنهم وكرامتهم.

 

ثالثًا: قضاة يتحدثون عن الإصلاح... ويعلنون العصيان؟

من التناقض المؤلم، أن يتحدث القضاة في بيانهم عن إصلاح القضاء، وهم يدعون إلى تعطيله.

كيف يتفق أن تُنادي بالإصلاح وتدعو في الوقت نفسه إلى الفوضى؟

كيف تطلب تحسين صورة القضاء في الخارج، وأنت تُسقط هيبته في الداخل بيدك؟

أي ثقة ستبقى للناس في حكم يصدر عن محكمة أعلنت عصيانها؟

وهل يحق لقاضٍ أضرب عن العمل أن يدين من أضرب عن دفع الدين؟

أو يحكم بين الناس وهو قد عطل أحكامه بيده؟!

 

رابعًا: لا مبرر للإضراب في مهنة "واجبة" بأصل الدين والدستور

 

مرفق القضاء ليس مصنعًا، ولا شركة خاصة، ولا حتى نقابة عمالية.

إنه مرفق سيادي مقدس مرتبط بحقوق الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتعطيله هو تعطيل للعدل، والعدل أساس الملك.

 

قال الخليفة عمر بن الخطاب:

 

"إن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق"

 

فمن ضاق عليه القضاء، فليلجأ للحق والوسائل المشروعة، لا ليهدم مرفقًا هو صمام أمان المجتمع.

 

خامسًا: لماذا لم ترفعوا دعاوى على الفساد إن كنتم قضاة عدل؟

 

إن كان نادي القضاة يزعم أن هناك فسادًا ماليًا وإداريًا في السلطة القضائية أو في الحكومة – كما أشار بيانه – فلماذا لم يرفع القضاة دعاوى إدارية وجنائية ضد المسؤولين عن ذلك؟

لماذا لم يصدروا أحكامًا بالوقف والعزل والمساءلة، وسلب الحرية ضد كل من يعبث بالقضاء والوظيفة العامة بشكل عام ؟

أليس هذا دور القاضي؟

الم يكن منهم المدعي العام والمحامي العام المخول دستورا وقانونا القيام بهذه الاعمال ؟؟؟

الم ينص الدستور والقانون على تخويلهم ومنحهم وحدهم حق القيام بكل هذه الاعمال حسب المادة(149)من الدستور وغيرها.

 

أم أن القاضي لا يرفع قلمه إلا حين يُمسّ او ينقص راتبه نتيجة ارتفاع سعر الصرف؟!

 

الحقيقة أن ما يحدث لا يعبر عن ضعف النظام، بل عن تخلي بعض القضاة عن رسالتهم.

القاضي الذي يبرئ المسؤول الظالم طمعًا في مصلحة، ثم يُطالب بحقوقه، يُجازى من جنس عمله: ذل وامتهان، وتأخير في المرتب، وازدراء من الناس.

 

سادسًا: المطالب ليست عيبًا... لكن الوسيلة عار

 

نعم، المطالبة بتحسين الأوضاع ليست عيبًا.

لكن تعطيل القضاء جريمة،

فما الفرق بين هذا الإضراب، وبين المجرم الذي يمنع القاضي من دخول المحكمة؟

ما الفرق بين العصيان، وبين من يضع السكين على عنق العدالة؟

 

الوسيلة قد تُفسد الغاية، ولو كانت الغاية نبيلة.

فلو كان القضاة قد رفعوا مذكرات، وأصدروا تقارير رقابية، ورفعوا دعاوى إدارية وجنائية، لأيدهم كل الشعب.

 

لكن أن يُعاقب الناس، والمظلومون، والنساء، والمحابيس، ويُترك القاتل طليقًا... فذلك ليس إصلاحًا، بل تخريب باسم العدالة.

 

سابعًا: التاريخ لا يرحم القضاة حين يخونون رسالتهم

 

سيكتب التاريخ، إن استمر هذا العبث، أن قضاة هذا الزمان باعوا عدالتهم بثمن بخس.

 

كانوا يومًا يُحكمون بين الناس بالعدل،

ثم باتوا يعلقون العمل ليومين في الأسبوع، ثم ثلاثة، ثم أسبوعًا،

حتى عطلوا القضاء كله، وخلت قاعات المحاكم،

وسادت الفوضى، واستبدّ القوي بالضعيف.

 

وكل ذلك – باسم العدل.

 

خلاصة القول:

 

يا من وُكل إليكم ميزان الله في الأرض،

إن مطالبكم المشروعة لا تُبرر الوسيلة المحرّمة.

 

القضاء لا يُصلَح بالإضراب، ولا تُسترد الحقوق بقطع حقوق الناس.

 

ولا تُبنى الهيبة، بهدم هيكل العدالة.

 

وختامًا، فإن الواجب اليوم أن يُعاد النظر في دور نادي القضاة، وأن يُلزم من يخالف قسمه القضائي بمحاسبة تأديبية صارمة، لأن من يعص قسمه، لا يستحق أن يعلو منصة القضاء.

وإن كانت لكم حقوق، فللناس حقوق أعظم.

وإن كنتم قضاة مظلومين، فالمظلومون الذين ينتظرون أحكامكم أحق بالعدل من أي مرتب او حقوق تحبسون العدالة رهنا بها.

مالكم كيف تحكمون؟؟

والله الموفق والمستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.