نهاية الأسبوع نهاية الشرق الأوسط؟

2025-04-10 16:22

 

ولكن ألم يقل ول ديورانت , صاحب "قصة الحضارة" ان نهاية الشرق الأوسط قد تكون نهاية العالم . هذا ما يفعله بنيامين نتنياهو ألذي لا ندري ما اذا كانت الضرورة الاستراتيجية أم الضرورة الايديولوجية هي التي تدفع به الى تلك الحالة من الجنون الدموي . نزع السلاح في سوريا , ونزع السلاح في ايران , ونزع السلاح في مصر (كلام المسؤول الاسرائيلي لصحيفة "اسرائيل هيوم) , ثم نزع السلاح في تركيا , حتى ولو تحول الشرق الأوسط الى جهنم . 

  هالنا أن يكون الرؤساء الأميركيون اسرائيليين الى هذا الحد . ادوار سعيد كان يتحدث عن قدرة اللوبي اليهودي على غسل أدمغة رجال البيت الأبيض . استخدم تعبير "السكتة التوراتية" , ملاحظاً أن نصوص التوراة حلت محل الدستور , ودون أن يكون هناك مكان للعرب لا في أجندة أولئك الرؤساء , الا كبقايا قبلية استقرت على تخوم القرون القرون الوسطى , ولا أمل في أن تتفاعل مع جدلية الأزمنة (وليم كريستول) .

  حتى أن السناتور لندسي غراهام تحدث لقناة "فوكس نيوز" , نعقيباً على عملية "طوفان الأقصى" , عن "ذلك النوع الهجين من البشر الذين أما يعيشون داخل  قبورهم أو يعيشون داخل جثثهم" . هكذا لا أحد يعبأ بالجثث التي تتكدس في العراء على أرض غزة , دون أن تعلوالأصوات التي توقف تلك المذبحة الرهيبة , بعدما كان الفيلسوف الفرنسي ادغار موران قد كتب عن"موت العالم" . هل حقاً أن الكرة الأرضية تحولت الى مقبرة للبشرية التي " مات الله في قلوبها" .

الأنظار تتجه يوم السبت الى مسقط حيث المحادثات الأميركية ـ الايرانية . ستيفن ويتكوف وجهاً لوجه مع عباس عرقجي . الاثنان , وبالرغم من الاختلاف في الثقافة , أو في الوسائل , يميلان الى البرغماتية في التعامل مع ملف البرنامج النووي الايراني , ما يعني أن علينا ألا نتوقع وقوع انفجار داخل ردهة المفاوضات . المشكلة باتت أكثر من مشكلة . الظروف تغيرت .  خارطة القوة تعرضت لتغييرات تراجيدية , أن بعد الحرب الأخيرة  أو بعد ظهور نظام جديد في سوريا كورقة في اليد التركية .

 لا نتصور في أي حال أن ايران يمكن أن تقبل بالمس ان بانتاجها للصواريخ البالستية , أو بالقضاء على القوى الحليفة لها , وان بات واضحاً أن المشهد الجيوسياسي في المنطقة انقلب رأساً على عقب . بنيامين نتنياهو يريد تفكيك البرنامج النووي الايراني على طريقة تفكيك البرنامج النووي الليبي . ولكن لا ايران هي ليبيا ولا آية الله خامنئي هو معمر القذافي .

  لا السبت الأسود , ولا السبت الأبيض , بل السبت الرمادي . ولكن يمكن أن يحدد ليس فقط مسار العلاقات الأميركية ـ الايرانية وانما , أيضاً , المسار المستقبلي للمنطقة . بطبيعة الحال هناك من برى أن الاتفاق على اطلاق المفاوضات يعني أن الجانبين يوليان الأهمية المطلقة للخيار الديبلوماسي , دون أن يعني ذلك الاستبعاد الكلي للخيار العسكري . الأميركيون مستعدون لتعطيل كل الشبكات الالكترونية , وان كانت الدوريات الغربية المتخصصة تعتبر أن الايرانيين اتخذوا كل الاجراءات اللازمة كي لا تكون الضربة القاضية . هذا لا يمكن أن يحجب الآثار الكارثية للهوة التكنولوجية بين البلدين . 

خبراء يعتبرون أن ايران لم تفقد كل أوراقها بعد كل تلك الصدمات البنيوية , وحتى الوجودية , التي أصابت حلفاءها . هناك المدى الجغرافي (1648 000 كيلومتر مربع) , ما يتيح توزيع الامكانات الدفاعية والهجومية بالصورة التي تربك الأعداء , وان كان الكثير من المواقع الحساسة بات مكشوفاً للأميركيين وكذلك للأسرائيليين . الدوريات الغربية المتخصصة لاحظت أن الايرانيين نشروا أسطولهم البحري بطريقة تحول دون توجيه أي ضربة اليه على غرار الضربة اليابانية على الأسطول الأميركي في ميناء بيرل هاربر في 7  كانون الأول 1941. 

    لكن كل شيء تغير منذ الحرب العالمية الثانية , الكلمة الآن للتقنيات السيبرانية التي قلبت المفاهيم الكلاسيكية للحرب رأساً على عقب , وان أظهرت عملية "طوفان الأقصى" أن بالامكان مواجهة التفوق الالكتروني بوسائل مختلفة , وهذا ما بدا واضحاً في غزة , حيث استطاعت حركة "حماس" , وفي ظروف قاتلة , من انشاء شبكة معقدة من الأنفاق , بالرغم من الرصد الالكتروني الاسرائيلي , وانتشار عملاء الموساد , حتى أن الرئيس الأسبق للجهاز تمير باردو كان يفاخر بزرع عملائه تحت ثياب قادة حركة "حماس" , وفي منطقة منبسطة , ومحدودة , ومحاصرة من الجهات الأربع .

 بعيداً عن الضجيج العسكري الاسرائيلي , يحذر خبراء استراتيجيون أميركيون من أن تحدث الغارات الجوية الأميركية (والاسرائيلية) واقعاً على الأرض يستتبع اجتياحاً برياً , وهو أمر شديد التعقيد , وعالي التكلفة , وقد يؤدي الى تكرار التجربة الكارثية في كل من فيتنام وأفغانستان . 

  في واشنطن أن دونالد ترامب لا يشبه هاري ترومان بالقنبلة الذرية على هيروشيما , ولا دوايت ايزنهاور بانزال النورماندي , وحتى جورج بوش , بالخلفية الايديولوجية التي ورثها عن جده بريسكوت بوش (وان كانا يتشابهان في الغباء الاستراتيجي) . الرئيس الحالي بشخصية شايلوك , بطل رائعة شكسبير "تاجر البندقية" , والذي كان يقتطع لحم زبائنه .

  حين تفتح أبواب الردهة الديبلوماسية تقفل الأنوار في البنتاغون , ويخلع الجنرلات ثيابهم المرقطة . بعد غد السبت قد يدخل التاريخ . الأنكليزي آرنولد توينبي وصف التاريخ بـ "العاشق الأبدي للدم ..." !!