العرب يتقهقرون (الى أين ؟) . الاسرائيليون يتقدمون (الى أين ؟) . أي خلاف بين واشنطن وأورشليم خلاف حول الدور , أو حول الطريقة . في النهاية , اسرائيل الكبرى وسوريا الصغرى , وحتى تركيا الصغرى , ما دام رجب طيب اردوغان لم يدرك , حتى الآن , فشل ديبلوماسية الثعبان , واستراتيجية الثعبان , لتحقيق حلمه باحياء السلطنة العثمانية , فقط ليكون السلطان العثماني . لعله بحاجة لمن يقول له انه سيكون الضحية الأولى , وقبل فولوديمير زيلينسكي , لأي اتفاق بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول أوكرانيا .
حتى اللحظة , ما زلنا نتعامل "تقنياً" مع احتلال اسرائيل الجزء السوري من جبل الشيخ , والمباشرة باقامة منشآت عسكرية , وحتى سياحية , مع التوغل أكثر فأكثر في الجنوب السوري لنكون , وكما ذكرنا , سابقاً , أمام سوريا الأخرى . دمشق ساقطة عسكرياً . المثلث الحدودي السوري ـ الأردني ـ العراقي بيد بنيامين نتنياهو . الأكثراثارة للهلع تلميح باحثين في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الى الخطط التي توضع في الغرف السوداء لانشاء "كردستان الكبرى" , وهي القنبلة (أو أم القنابل) التي تفجر خارطة الشرق الأوسط الكبير , لنرى , على الأرض , مشروع برنارد لويس حول اعادة تركيب الخرائط والذي وافق عليه الكونغرس , في جلسة سرية , عام 1993 .
الاسلاميون هم الانكشارية الأميركية , وان كانت الصورة الجانبية تظهر أنهم النيوانكشارية للنيوعثمانية . تفجير البلدان المعنية من الداخل , واعدادها لتلك الساعة . من يتصور أن باستطاعة ذلك الكوكتيل العجيب من الفصائل , وبقيادات عربية وغير عربية , يمكن أن تستوعب الحالة السورية , بالتضاريس السياسية , والقبلية , والاثنية , والطائفية , بنزعة دموية لا توحي بالنموذج التركي بقدر ما توحي بالنموذج الأفغاني , وان بربطات العنق أو بالشعر اللامع.
هكذا تنحصر عملية مطاردة "فلول النظام" , وكان يستقطب الملايين من مختلف المناطق , ومن مختلف الطوائف , في منطقة معينة , وفي طائفة معينة , ودون أي اعتبار للخطر الوجودي الذي يطل من مكان آخر . شاهدنا , لأول مرة , طائرات الهليكوبتر تقصف مدينة جبلة , ودون أن تتصدى للدبابات الاسرائيلية . لا أحد يكترث , لا بل أن وسائل الاعلام العربية تتعامل مع تلك العمليات الدموية على أنها خطوات ضرورية لتثبيت قواعد الدولة في سوريا .
واذا كانت السياسات السورية , بكل وجوهها , تصاغ في أنقرة لا في دمشق , وحيث سلطة الدمى , ودور الدمى , لاحظنا كيف أن شاشات عربية تنقل عن مصدر أمني في السلطة أن أحداث الساحل هي بتوجيهات بشار الأسد , الموجود , بما يشبه الاقامة الجبرية , في موسكو , وبمؤازرة جهة أجنبية . المقصود طبعاً ايران التي كيف لها أن تصل الى هناك ما دامت القطع البحرية التركية والاسرائيلية تجوب المياه الاقليمية السورية على مدار الساعة , وما دامت المنافذ البرية , والجوية , مقفلة , كلياً .
ما يحدث في الجنوب السوري هو المدخل , وعبر الخاصرة الدرزية في السويداء , الى ما هو أكثر حساسية بكثير . ثمة مظاهر خطيرة . الغالبية تتجه اسرائيلياً لتوجسها من التركيبة الطائفية , والفوضوية , للسلطة . حملة تحريض منهجية , و"مدفوعة" ضد الوزير وليد جنبلاط , بتأثيره على دروز لبنان وسوريا , وحتى على الأقلية الدرزية في الأردن , ما يمكن أن يهدد المشروع الاسرائيلي الذي بوشر بتنفيذه برصد أكثر من مليار دولارلاحتواء دروز الداخل , وكذلك دروز المنطقة .
ماذا عن دروز لبنان ؟ استنفار تاريخي حول قصر المختارة أمام ذلك المنعطف الرهيب , فيما يوجد من يدافع عن الشيخ موفق طريف الذي يدعو الى اندماج "الحالة الدرزية" مع "الحالة اليهودية" , وهو ما يتبناه الوزير الاسرائيلي السابق أيوب القرا العضو في الليكود . على احدى الشاشات العربية , تساءل كيف يحق للجيش التركي أن يتواجد في الشمال السوري , ولا يحق للجيش الاسرائيلي أن يتواجد في الجنوب السوري .
حين يكون الزعيم الدرزي في خطر , يكون الدروز في خطر , بل كل اللبنانيين ما عدا دعاة الغيتو (وهو الوجه الآخر للمقبرة) الذين يعتبرون أن ساعة الكونفيدارلية , لا الفديرالية , قد أزفت . لا حاجة للتأكيد , وسط هذا الركام السياسي , والطائفي (الركام السوسيولوجي) بأن كل الاحتمالات واردة بل و"مؤكدة" . جهاز الموساد حاضر , برجاله كما بتقنياته المتطورة , على الأرض اللبنانية , ومع اعتبار أن من أعدوا السيناريوات الخاصة بسوريا لا بد أن يكونوا قد أعدوا السيناريوات الخاصة بلبنان .
المثير , في هذا السياق , ان ثمة أقطاباً سياسيين وحزبيين يتعاملون مع الأوضاع كما لو أن دونالد ترامب , أو بنيامين نتنياهو , يعمل لحسابهم , تماماً كمن يسند ظهره للنيران أو للوحول . هذه , على كل حال , حال أكثرية العرب الذين أظهرت قمة القاهرة (وحيث كانت الفضيحة الكبرى) أنهم ليسوا في عنق الزجاجة , وانما في قعر الزجاجة .
تغيير الخرائط , وهذا ما يظهر للعيان , لا يعني بقاء الرؤوس . رجاء العودة الى ما فعله الأميركيون بحلفائهم , وقبل أعدائهم , منذ مؤتمر يالطا (1945 ) وحتى الآن ...