في تاريخ الجنوب وتكرار الأخطاء.

2025-01-17 09:42

 

في تاريخ الجنوب العربي، تقف الأحداث والصراعات التي عصفت بالجنوب شاهدة على كوارث سياسية واجتماعية لا تزل آثارها ماثلة حتى يومنا هذا، ومع كلّما مرّ من محطات مؤلمة، يلاحظ غياب شبه كامل لوقفات تقييم حقيقية أو مراجعة جادة لأسباب تلك الصراعات، وللخلفيات الفكرية والسياسية التي قادت إليها.

 

 فالأسئلة الكبرى التي لم تُطرح للمراجعة والنقد تُبقي الباب مفتوحًا أمام استمرار تكرار الأخطاء.

من أبرز المحطات التي تستحق المراجعة، فكرة "النضال التحرري" ضد الاستعمار البريطاني، مع أن الظروف الدولية كانت قد مهدت الطريق لخروج بريطانيا من عدن، ففي عام 1963، حصل شعب الجنوب على قرار من الأمم المتحدة يمنحه الحق في تقرير المصير تحت لجنة تصفية الاستعمار، بل وتم تحديد موعد للخروج البريطاني. ومع ذلك، اختيرت طريق الثورة المسلحة التي أسفرت عن خسائر سياسية ومادية، وفتحت المجال لصراعات داخلية لاحقة ألقت بظلالها على التاريخ السياسي الحديث للجنوب.

 

ثم أن من القضايا الأخرى الذي تحتاج إلى مراجعة عميقة، الذهاب إلى الوحدة مع اليمن وفرض "اليمننة" على الجنوب العربي منذ عام 1967، هذا المسار الذي أُلبس لباس "القومية"، لكنه تجاهل الخصوصية الثقافية والتاريخية لشعب الجنوب والاختلافات القائمة بين الدولتين، تلك الوحدة التي كان يُفترض أن تكون شراكة بين أطراف متساوية، تحولت إلى احتلال يمني للجنوب وتحولت إلى ساحة صراع مستمر، مما أدى إلى صراع وحروب نعيشها اليوم بدلاً من بناء دولة مواطنة مدنية.

 

أما عند الحديث عن الأيديولوجيات التي تم تبنيها بعد الاستقلال لا يمكن تجاهل تجربة الفكر الماركسي الذي تبناه النظام الحاكم وتجربة نظام الحزب الواحد، في مجتمع يفتقر إلى الظروف الموضوعية لتطبيق هذه الأيديولوجية، كانت النتائج كارثية، فعلى الرغم من أن الماركسية سقطت في دول تمتلك موارد وشروطًا أفضل، إلا أن الجنوب اختار السير في هذا الطريق الفاشل، مما زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 

وفي الوقت الراهن، يبدو أن غياب المراجعة أو التقييم لا يزال يهيمن على الفكر السياسي في الجنوب، وبدلاً من تبني نهج يستفيد من التجارب والدروس، لا زالت تُسيطر على مسيرتنا ديناميات مقاومة للواقع وحقائقه، هذه الديناميات تتجلى في التعويل على فكرة أن "العوائق والعقبات" لن تمنع الانتصار الموعود الذي سيأتي يومًا ما.

 

لذلك، لا يمكن تحقيق مستقبل أفضل إلا عندما نتعلم من الماضي، ونواجه أخطاءنا بشجاعة، ونتبنى فكرًا جديدًا يواكب احتياجات الحاضر وتحدياته.

 

*- خاص الأيام عدن