بعد انتصار عدن في 2015، كان في حماس كبير وطموحات عالية ببناء دولة وتحقيق الاستقرار. في تلك الفترة، كنت ألتقي يوميًا بشاب صومالي في العشرينيات من عمره كان يمسح السيارات في شارع القصر بالمنصورة بالعاصمة عدن.
كان بيننا مزاح دائم. مرة شافني متفائل جدًا وسألني: "يا يافعي، متى تقوم الدولة عندكم؟" قلت له: "أعطينا سنة أو سنتين بالكثير، والأمور بتستقر". رد بثقة: "بعطيك سنتين، وإذا قامت لكم دولة احكم علي بأي شيء تريده. لكني متأكد ما بتقوم لكم قائمة".
صراحة، ما أخذت كلامه بجدية وقتها. رجعت مكتبي وبدأت أفكر في كلامه. بعد الدوام رحت أدور عليه ولما لقيته سألته عن قصده. قال لي: "لا تظن إني مجرد شخص بسيط يمسح السيارات. أنا من قبيلة عريقة، وعدنا ممتلكات كثيرة، ومتعلم. لكن لما غابت الدولة وضاع الأمن، ما نفعنا لا المال ولا الأرض. هربنا نبحث عن الأمان، ولنا سنوات طويلة ننتظر الدولة وما جاءت".
قلت له: "طيب، وما علاقة هذا بوضعنا؟". رد: "وضعكم مثلنا، بناء الدولة مش بالسهل اللي تتصورونه. راح تواجهون تحديات كبيرة وتظهر لكم أمور لم تكن بالحسبان".
مرت 9 سنوات، وفعلاً كسب الرهان. إذا كان صاحبي الصومالي لا يزال في عدن، له مني خالص التحية والاحترام، واذا عاد للصومال بعد ان شهدت استقرار خلال السنوات الماضية أتمنى له التوفيق.